قوله :« ومِنْ آبائِهِمْ » « آبائهم » : فيه وجهان :
أحدهما : أنه مُتعلِّقٌ بذلك الفعل المقدر، أي : وهدينا من آبائهم، أو فضَّلنا من آبائهم، و « مِنْ » تَبْعِيضيَّةٌ قال بان عطية :« وهَدَيْنَا مِنْ آبَائِهِمْ وذرِّيَّاتهم وإخوانهم جماعات »، ف « مِنْ » للتبعيض، والمفعول محذوف.
الثاني : أنه معطوف على « كُلاًّ »، أي : وفضَّلنا بعض آبائهم.
وقدَّر أبو البقاء هذا الوجه بقوله :« وفضلنا كلاًّ من آبائهم، وهدينا كُلاًّ من آبائهم ». وإذا كان للتَّبْعِيضِ دلَّت على أن آباء بعضهم كانوا مشركين.
وقوله :« وذُرِّيَّاتهم »، أي : وذرِّيَّة بعضهم، لأن « عيسى » و « يحيى » لم يكن لهما وَلَدٌ، وكان في ذرية بعضهم من كان كَافِراً.
وقوله :« وإخوانهم » و « اجْتَبَيْنَاهُمْ » يجوز أن يعطف على « فضَّلنا »، ويجوز أن يكون مُسْتأنفاً وكرر لفظ الهداية توكيداً، ولأن الهِدايةَ أصْلُ كل خير، والمعنى : اصْطَفَيْنَاهُمْ، وأرشدناهم إلى صراط مستقيم.
قوله :« ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ » المشار إليه هو المَصْدَرُ المفهوم من الفعل قبله؛ إما الاجْتِبَاءُ، وإما الهداية؛ أي : ذلك الاجتباء هو هُدَى، أو ذلك الهدى إلى الطريق المستقيم هدى الله، ويجوز أن يكون « هدى الله » خبراً، وأن يكون بدلاً من « ذلكط والخبر » يهدي به «، وعلى الأول » يهدي « حالاً، والعامل فيه اسم الإشارة ويجوز أن يكون خبراً ثانياً، و » مِنْ عِبَادِهِط تَبْيِينٌ أو حال؛ إما مِنْ « مَنْ » وإما من عَائِدِهِ المحذوف.

فصل في تحرير معنى الهداية


يجوز أن يكون المراد من هذه الهداية معرفة الله - تعالى- وتَنْزِيههُ عن الشرك؛ لقوله تعالى بعده :﴿ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ وإذا ثبت ذلك ثَبَتَ أن الإيمان لا يَحْصُلُ إلاَّ بِخَلْقِ الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon