﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ﴾ أي : الكتب المُنَزَّلة عليهم، و « الحكم » يعني العلم والفِقْهَ، و « النبوة ». والإشارة ب « أولئك » إلى الأنبياء الثمانية عشر المذكورين، ويحتمل أن يكون المراد ب « آتيناهم الكتاب » أيك الفَهْمَ التَّامَّ لما في الكتاب، والإحاطة بحقائقه، وهذا هو الأولى؛ لأن الثمانية عشر لم ينزل على كل واحد منهم كتاباً إلهياً على التعيين.
قوله ﴿ فإنْ يَكْفُرْ بِهَا ﴾ هذه « الهاء » تعود على الثلاثة الأشياء، وهي : الكتاب والحكم والنبوة، وهو قول الزمخشري.
وقيلك يعود على « النبوة » فقط، لأنها أقرب مذكور، والباء في قوله :« لَيْسُوا بِهَا » مُتعَلِّقَةٌ بخير « ليس »، وقدم على عاملها، والباء في « بكافرين » زائدة توكيداً.
فصل في معنى الآية
معنى قوله :« يَكْفُرْ بِهَا هَؤلاءِ » يعني أهل « مَكة » ﴿ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِين ﴾ ؛ قال ابن عباس : المراد بالقَوْمِ الأنْصَارُ، وأهل « المدينة »، وهو قول مجاهد.
وقال قَتَادَةُ والحسن : يعني الأنبياء الثمانية عشر.
قال الزجاج : ويدلُّ عليه قوله بعد هذه الآية :﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾.
وقال أبو رَجَاءٍ العطاردي فإن يكفر بها أهل الأرض، فقد وكلَّنا بها أهل السماء، يعني الملائكة، وهو بعيد؛ لأن اسم القوم كُلُّ ما يقع على غير بني آدم.
وقال مجاهد : هم الفرس.
وقال ابن زيد : كل من لم يكفر، فهو منهم، سَوَاءً كان ملكاً، أو نبيَّا، أو من الصحابة، أو من التابعين.
قوله :﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ ﴾ « أولئك » مفعول مُقدَّمٌ ل « هدى الله » ويَضْعُفُ جعله مبتدأ على حذف العائد، أي : هداهم الله كقوله :﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ ﴾ [ المائدة ] برفع « حُكْمُ » [ والإشارة ب « أولئك » إلى الأنبياء المتقدم ذكرهم ].
قوله :« فَبِهُدَاهِمُ أقْتَدِه » قرا الأخوان بحذف الهاء في الوَصْلِ والباقون أثبتوها وَصْلاً وَوَقْفاً، إلا أن ابن عامر بكسرها، ونقل ابن ذكوان عنه وجهين :
أحدهما : الكَسْر من غير وَصْلٍ بمدة، والباقون بسكونها. أما في الوقف فإن القراء اتَّفَقُوا على إثباتها سَاكِنةً واختلفوا في « مَالِيَه » و « سُلْطَانِيَه » في « الحاقَّة » وفي « مَاهِيَهْ » في « القارعة » بالنسبة إلى الحذف والإثبات، واتفقوا على إثباتها في « كِتَابِيَهْ » و « حِسَابِيِهْ » فأما قراءة الأخوين، فالهاء عندهما للسَّكْتِ، فلذلك حَذَفَاهَا وصْلاً؛ إذ محلها الوَقْفُ، وأثبتاها وفقاً إتْبَاعاً لِرَسْمِ المصحفن وأما من أثبتها ساكنة، فيحتمل عنده وجهين :
أحدهما : هي هاء سَكْتٍ، ولكنها ثبت وَصْلاً إجْرَاءً للوصْلِ مجرى الوَقْفِ، كقوله :﴿ لَمْ يَتَسَنَّهْ وانظر ﴾ [ البقرة : ٢٥٩ ] في أحد الأقوال كما تقدم.