والثاني : أنها ضمير المصدر سُكِّنَتْ وَصْلاً إجْرَاءً للوَصْلِ مجرى الوَقْفِ، نحو :﴿ نُؤْتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٤٥ ] ﴿ فَأَلْقِهْ ﴾ [ النمل : ٢٨ ] و ﴿ أَرْجِهْ ﴾ [ الأعراف : ١١١ ]، ﴿ نُوَلِّهِ ﴾ [ النساء : ١١٥ ] ﴿ وَنُصْلِهِ ﴾ [ النساء : ١١٥ ].
واختلف في المصدر الذي تعُودُ عليه هذه « الهاء »، فقيل : الهدى، أي اقتدى الهدى، والمعنى اقْتداء الهدى، ويجوز أن يكون الهدى مفعولاً لأجله؛ أي : فبهداهم اقتد لأجل الهدى.
وقيل : الاقتداء؛ أي : اقتد الاقتداء، ومن إضمار المصدر قول الشاعر :[ البسيط ]

٢٢٣٠- هَذَا سُرَاقَةُ لِلْقُرآنِ يَدْرُسُهُ والمَرْءُ عِنْدَ الرُّشَا إنْ يَلْقَها ذِيبُ
أي : يَدْرُسُ الدَّرْسَ، ولا يجوز أن يتكون « الهاء » ضمير القرآن؛ لأن الفعل قد تعدَّى له، وإنما زيدت « اللام » تَقْوِيَةً له، حيث تقدَّم معموله، وكذلك جعل النُّحَاةُ نَصْب « زيداً » من « زيداً ضَرَبْتُهُ » بفعل مُقدَّرٍ، خلافاً للفراء.
قال ابن الأنْبَارِيّ :« إنها ضمير المصدر المؤكد النائب عن الفعل، وإن الأصل : اقتد اقتد، ثم جعل المَصْدَرُ بَدَلاً من الفعل الثاني، ثم أضْمِرَ فاتَّصَلَ بالأول ».
وأما قراءة ابن عامر فالظَّاهِرُ فيها أنها ضمير، وحُرِّكَتْ بالكَسْرِ من غير وَصْلٍ وهو الذي يسميه القُرَّاء الاخْتِلاَس تَارَةً، وبالصلة وهو المُسَمَّى إشْبَاعاً أخرى كمنا قرئ :﴿ أَرْجِهْ ﴾ [ الأعراف : ١١١ ] ونحوه.
وإذا تقرَّرَ هذا فقول ابن مُجَاهِدٍ عن ابن عامر « يُشِمُّ » الهاء من غير بُلُوغِ ياء « وهذا غلط؛ لأن هذه » الهاء « هاء وَقْفٍ لا تعرب في حالٍ من الأحوال، أي : لا تحرك وإنما تدخل ليتبيَّنَ بها حركةُ ما قبلها ليس بِجَيِّدٍ لما تقرر من أنها ضَمِيرُ المَصْدَرِ، وقد رَدَّ الفَارِسيُّ قول ابن مجاهد بما تقدم.
والوجه الثاني : أنها هاء سَكْتٍ أجْرِيَتْ مُجْرَى الضمير، كما أجريت هاء الضمير مُجْرَاهَا في السكُونِ، وهذا ليس بِجَيِّدٍ، ويروى قول المتنبي :[ البسيط ]
٢٢٣١- واحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ .......................
بضم »
الهاء « وكسرها على أنها » هاء « السَّكْتِ، شُبِّهَتْ بهاء الضمير فحركت، والأحسن أن تجعل الكسر لالتقاء الساكنين لا لشبهها بالضمير؛ لأن » هاء « الضمير لا تكسر بعد الألف، فكيف بما يشبهها؟
والاقتداءُ في الأصْلِ طَلَبُ المُواقَقَةِ قاله اللَّيْث. ويقال : قدوة وقدو وأصله من القدو وهو أصل البِنَاءِ الذي يتشعب منه تصريف الاقتِدَاءُ.
قال الواحِديُّ : الاقتِدَاءُ في اللغة : الإتيان بِمِثْلِ فِعْل الأول لأجل أنه فعله و »
بِهُداهِمِ « متعلق ب » اقْتَدِهْ «. وجعل الزمخشري تقديمه مُفيداً للاختصاص على قاعدته.

فصل فيما يقتدى بهم فيه


هذا خِطَابٌ للنبي ﷺ واختلفوا في الشيء الذي أمر النبي ﷺ بالاقتداء بهم فيه.
فقيل : المُرَادُ أن يَقْتَدي بهم في الأمر الذي أجمعوا عليه، وهو التوحيد والتَّنْزِيه عن كُلِّ ما لا يَلِيقُ بالباري سبحانه وتعالى في الذَّاتِ والصِّفاتِ والأفْعَالِ.
وقيل : المارد الاقْتِدَاءُ بهم في شَرَائِعِهمْ إلا ما خَصَّهُ الدليل على هذا، فالآية دَلِيلٌ على أن شَرْعَ من قبلنا يلزمنا وقيل : المراد به إقَامَةُ الدلالة على إبْطَالِ الشِّرْكِ، وإقامة التوحيد؛ لأنه ختم الآية بقوله :


الصفحة التالية
Icon