قوله :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة ﴾ قال الفراء والزجاج هي الزلزلة الشديدة يُقالُ رَجَفَتِ الأرْضُ تَرْجُفُ رَجْفاً وَرَجيفاً ورجفاناً قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال ﴾ [ المزمل : ١٤ ].
وقال اللَّيثُ : الرَّجْفَةُ : الطَّامة التي يتزعزع لها الإنسان ويضطرب. ومنه قيل للبحر رجَّافٌ لاضطرابه.
وقيل : أصله مِنْ رَجفَ به البعيرُ إذا حركه في سيره، كما يرجف الشجر إذا رجفه الريح.
قال ابن أبي ربيعة :[ الطويل ]
٢٥٠٨ - ولمَّا رَأيْتُ الحَجَّ قَدْ حَانَ وَقْتُهُ | وَظَلَّتْ جِمَالُ الحَيِّ بالقَوْمِ تَرْجُفُ |
وقوله :﴿ تَرْجُفُ الراجفة ﴾ [ النازعات : ٦ ].
كقوله :﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا ﴾ [ الزلزلة : ١ ].
ومنه [ الطويل ]
٢٥٠٩ - تُحْيِي العِظَامَ الرَّاجِفَاتِ مِنَ البِلَى | فَلَيْسَ لِدَاءِ الرُّكْبَتَيْنِ طبِيبُ |
الجثوم : اللُّصوق بالأرْضِ من جثوم الطَّائر والأرْنَبِ، فإنَّهُ يلصق بطنه بالأرْضِ، ومنه رجل جُثَمَةٌ وجثَّامَةٌ كناية عن النَّؤوم والكَسْلان، وجثمانُ الإنسان شَخْصُه قاعداً وقال أبو عبيد :« الجُثُوم للنَّاس والطير كالبرول للإبل » وأنشد لجرير :[ الوافر ]
٢٥١٠ - عَرَفْتُ المُنْتأى وعَرَفْتُ مِنْهَا | مَطَايَا القِدْرِ كالْحِدَأ الجُثُومِ |
فصل في بيان فائدة موضع الفاء في الآية
الفاء في « فأخذتهم » للتَّعقيب، وقوله :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة ﴾ يقتضي أنَّ الرَّجفة أخذتهم عقيب قولهم :﴿ ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾ وليس الأمر كذلك لقوله تعالى في آية أخرى :﴿ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [ هود : ٦٥ ]
فالجوابُ : أنَّ أسباب الهلاك وجدت عقيب قولهم :﴿ ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾، وهو أنَّهم اصفرت وجوههم في اليوم الأوَّل، واحمرّت في اليوم الثاني : واسودَّت في اليوم الثالث، فكان ابتداء العذاب متعقباً قولهم.
ويمكن أن تكون عاطفة على الجملة من قوله :« فَأئْتِنَا » أيضاً وذلك على تَقْديرِ قرب زمان الهلاك من زمان طلبِ الإتيان. ويجوز أن يقدر ما يصحُّ العطف عليه بالفاءِ، والتقديرُ : فوعدهم العذاب بعد ثلاث فانقضت فأخذتهم.
فصل في دحق شبهة للملاحدة.
لا يلتفت إلى ما ذكره بعض الملاحدةِ في قوله :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة ﴾، وفي موضع آخر ﴿ الصيحة ﴾ [ هود : ٦٧ ]، وفي موضع آخر ﴿ بالطاغية ﴾ [ الحاقة : ٥ ] واعتقد ما لا يجوز من وجوب التناقض إذ لا منافاة بين ذلك فإن الرجفة مترتبة على الصَّيحة؛ لأنَّهُ لمَّا صيح بهم؛ رجفت قلوبهم فماتوا، فَجَازَ أن يسند الإهلاكُ إلى كل منهما.
وأمّا « بالطَّاغية » فالباء للسببية، والطَّاغية : الطغيان مصدر كالعاقبة، ويقال للملك الجبَّار : طاغية، والتّاء فيه كعلاَّمةٍ ونسَّابةٍ، ففي أهلكوا بالطاغيَة، أي : بطغيانهم كقوله :