﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ ﴾ [ الشمس : ١١ ].
قال أبو مسلم :« الطَّاغية : اسم لكلِّ ما تجاوز عن حدِّه سواء كان حيواناً أو غير حيوان :﴿ إِنَّ الإنسان ليطغى ﴾ [ العلق : ٦ ]، وقال :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ ﴾ [ الشمس : ١١ ].
وقال غير الحيوان :﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء ﴾ [ الحاقة : ١١ ] أي : غلب وتجاوز عن الحدِّ.
فصل في شهود الناقة
قيل إنَّ القوم قد شاهدوا خُرُوج النَّاقةِ من الصخرة، وذلك معجزة قاهرة تلجىء المكلف، وأيضاً شاهدوا الماء الذي كان شرباً لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين، كان شَرباً لتلك النَّاقة الواحدة في اليَوْمِ الثَّانِي، وذلك معجزة قَاهِرَةٌ تقرب الملك فمن الإلجاء.
وأيضاً إنَّ القوم لما نحروها توعدهم صالح بالعذابِ، وشاهدوا صدقه على ما روي أنَّهم احمروا في اليوم الأوَّل، واصفرُّوا في اليوم الثَّاني، واسودُّوا في اليود الثالث، مع مشاهدة تلك المعجزة العظيمة، ثم شاهدوا علامات نُزول العذاب الشديد في آخر الأمر، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مُصرّاً على كفره؟
فالجوابُ : أن يقال : إنَّهَم قبل مشاهدتهم تلك العلامات من نزول العذاب كانُوا يكذبون، فلما نزلت بهم أول علامات العذاب وشاهدوها خرجوا عند ذلك عن حد التكليف فلم تكن توبتهم مَقْبُولَةً.
قوله :» فَأصْبَحُوا « يجوز أن تكون النَّاقصة و » جَاثِمينَ « خبرها و » في دَارِهِم « متعلّق به، ولا يجوز أن يكثونَ الجارُّ خبراً و » جَاثِمِين « حال، لعدم الفائدة بقولك :﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾، وإن جاز الوجهان في قولك : أصبح زيد في الدَّار جالساً.
ويجوز أن تكون التامة، أي : دخلوا في الصباح، و » جَاثِمِينَ « حال، والأول أظهر.
قوله :﴿ فتولى عَنْهُمْ ﴾.
قيل : إنه تولى عنهم بعد موتهم لقوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فتولى ﴾ و » الفاءُ « تقتضي التعقيب.
وقيل : تولّى عنهم قبل موتهم لقوله :﴿ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين ﴾ فدلَّ ذلك على كونهم أحياء من ثلاثة أوْجُهٍ :
[ الأول ] : قوله لهم » يَا قَوْم «، والأموات لا يوصفون بالقوم، لاشتقاق لفظ القوم من القيام، وهو مفقود في حقِّ الميت.
والثاني : أنَّ هذه الكلمات خِطَاب معهم، وخطاب الميت لا يجوز.
والثالث : قوله :﴿ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين ﴾ يقتضي كونهم بحيث تصحُّ حصول المحبّة فيهم.
ويمكن الجوابُ : بأنَّه قد يقولُ الرَّجلُ لصاحبه الميت، وقد كان نصحه فلم يقبل النَّصيحة، حتى ألقى نفسه في الهلاك : يا أخي منذ كم نصحتك فلم تقبل، وكمن منعتك فلم تمتنع، فكذا هاهنا.
وفائدتُهُ : إمّا لأن يسمعه الحيُّ فيعتبر به، وينزجِر عن مثل تلك الطريقة، وإما لإحراق قلبه بسبب تلك الواقعة، فإذا ذكر ذلك الكلام فرَّجت تلك القضية من قلبه.
وذكروا جواباً آخر، وهو أن صالحاً - عليه السلامُ - خاطبهم بعد كونهم » جَاثِمِينَ «، كما خاطب نبينا - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - قتلى » بدر «.
فقيل : تتكلم مع هؤلاء الجيف؟ فقال :» مَا أنْتُمْ بأسْمَعَ مِنْهُم، ولكنْ لا يَقْدِرُونَ على الجوابِ «
وقيل : في الآية تقديمٌ وتأخير، تقديره : فتولَّى عنهم وقال : يا قَوْم لَقَدْ أبْلَغَتُكم رسالةَ ربِّي، فأخذتهم الرجفة.