قوله تعالى :﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة ﴾ القصة. في نصب « لُوطاً » وجهان :
أحدهما : أنه منصوب ب « أرْسَلْنَا » الأوَّلِ، و « إذ » ظرف الإرسال.
والثاني : أنَّهُ منصوبٌ بإضمار « اذْكُرْ »، وفي العامل في الظرف حينئذ وجهان :
أحدهما - وهو قول الزمخشريِّ أنَّهُ بدلٌ من « لوطاً » قال :« بمعنى : واذكر وقت إذ قال لقومه » وهذا على تسليم تصرف « إذ ».
والثاني : أنَّ العامل فيها مُقَدَّرٌ تقديره :« واذْكُرْ رسالةَ لُوط إذْ قَالَ » ف « إذ » مصوبة ب « رسالة ». قاله أبُو البقاء، والبدل حينئذٍ بدل اشتمال.
وصرّف نوح ولوط لخفَّتِه، فإنَّهُ ساكنُ الوسط، مركب من ثلاثة أحرف.
، لُطْتُ الحوض إذا ملسته بالطين، وهذا غلط؛ لأنَّ الأسماء الأعجميّة لا تشتق كإسْحَاق، فلا يقال : إنه من السُّحق وهو البعد؛ وإنَّمَا صرف لخفته؛ لأنَّه على ثلاثة أحْرُف ساكن الوسط، فأمَّا لطتُ الحوضَ، وهذا أليط فصحيح، ولكن الاسم أعجميّ كإبراهيم وإسحاق.
وهو : لوطُ بْنُ هَاران بْنِ تَارخ ابْنِ أخير إبراهيم، كان في أرض بابل مع عمه إبراهيم، ، فهاجر إلى الشَّام، فنزل إبراهيمُ إلى فلسطين، وأنزل لوطاً الأردن، فأرسله اللَّهُ تعالى إلى أهل سَدُوم.
قوله :« أتأتُونَ الفَاحِشَة » أتفعلون السيئة المتناهية في القبح، وذكرها باسم الفاحشة ليبين أنَّها زنا لقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ].
﴿ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين ﴾ في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنَّهَا مستأنفة لا محلَّ لها من الإعرابِ، وعلى الاستئناف يحتمل أن تكون جواباً لسؤال وألا تكون جواباً.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ :« فإن قلت : ما موقع هذه الجملة » ؟
قلت : لا مَحَلَّ لها لأنَّها مُسْتَأنفة، أنكر عليهم أوّلاً بقوله :« أتَأتُونَ الفَاحِشَةَ » ثُمَّ وبخهم عليها فقال : أنتم أوَّلُ من عملها. أو تكون جواباً لسؤال مقدَّر، كأنَّهُم قالوا : لِمَ لا تأتيها؟ فقال :« ما سبقكم بها أحَدٌ؛ فلا تفعلوا ما لم تُسْبَقُوا به » وعلى هذا فتكون صفة للفاحشة، كقوله تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار ﴾ [ يس : ٣٧ ] وقال الشَّاعِر :[ الكامل ]

٢٥١١- وَلَقَدْ أمُرُّ على اللَّئِيم يَسُبُّني ..............................
والباء في « بِهَا » فيها وجهان :
أظهرهما أنها حالية، أي : ما سبقكم أحدٌ مصاحباً لها أي : ملتبساً بها.
والثاني : أنَّها للتعدية.
قال الزمخشريُّ : الباءُ للتعدية من قولك :« سَبَقْته بالكُرة » إذا ضربتها قبله. ومنه قوله ﷺ :« سَبَقَكَ بها عُكَّاشَةُ ».
قال أبو حيان :« والتّعدية هنا قلقة جداً؛ لأنَّ » الباء « المعدِّية في الفعل المتعدي لواحد [ هي ] بجعل المفعولِ الأوَّلِ يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء فهي كالهمزة، وبيان ذلك أنَّك إذا قلت :» صَكَكْتُ الحجرَ بالحَجر « كان معناه : أصْكَكْت الحجرَ بالحجر أي : جَعَلْت الحجر يَصُكُّ الحجر، فكذلك : دفعت زيداً بعمرو عن خالد، معناه : أدْفَعْتُ زيداً عمراً عن خالد أي جعلت زيداً يدفع عمراً عن خالد فللمفعول الأوَّل تأثير في الثَّاني ولا يصحُّ هذا المعنى هنا؛ إذْ لا يصحُّ أن يقدَّر : أسْبَقْتُ زيداً الكرة أي : جعلت زَيْداً يسبق الكَرَةَ غلا بمجاز متكلَّف، وهو أن تجعل ضربك للكرةِ أول جَعْل ضربة قد سقبها أي : تقدَّمها في الزمان فلم يجتمعا ».


الصفحة التالية
Icon