و « مِنْ » الأولى لتأكيد استغراق النفي والثانية للتبعيض.
والوجه الثاني من وجهي الجملة : أنَّها حال، وفي صاحبها وجهان :
والثاني : هو المفعول أي : أتأتونها مُبْتَدَأ بها غير مسبوقة من غيركم.
قال عمرو بن دينار :« ما يراد ذكر على ذكر في الدُّنيا حتى كان قوم لوط ».
قوله :« أإنَّكُمْ » قرأ نافعٌ وحفصٌ عن عاصم :« إنكم » على الخبر المستأنف، وهو بيان تلك الفاحشة، وقرأ الباقون بالاستفهام المقتضي للتّوبيخ، فقرأ ابنُ كثير بهمة غير ممدودة وتليين الثَّانية، وقرأ أبُوا عمرو بهمزة ممدودة للتّخفيف وتليين الثانية، والباقون بهمزتين على الأصل.
قال الواحديُّ :« كان هذا استفهاماً معناه الإنكار لقوله تعالى :» أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ «، وكلُّ واحد من الاستفهامين جملة مستقلة غير محتاجة في تمامها إلى شيء آخر ».
قوله :﴿ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً ﴾ قيل : نصب « شَهْوَةٍ » على أنه مفعول من أجله، أي : لأجل الاشتِهَاءِ لا حامل لكم عليه إلاَّ مجرّد الشَّهوة لا غير.
وقيل : إنَّها مصدر واقعٌ موقع الحال، أي : مشتهين أو باق على مصدريَّته، ناصبة « أتَأتُونَ » ؛ لأنَّهُ بمعنى أتشتهون.
ويقال : شَهِيَ يَشْهَى شَهْوَةً، [ وشَهَا يَشْهُو شَهْوَةٍ ] قال الشَّاعر :[ الطويل ]
٢٥١٢ - وَأشْعَثَ يَشْهَى النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ : ارْتَحِلْ... إذَا مَا النُّجُومُ أعْرَضَتْ واسْبَكَرَّتِ
وقد تقدَّم ذلك في آل عمران.
قوله :﴿ مِّن دُونِ النسآء ﴾ فيه ثلاثةُ أوْجُهٍ :
أحدها : أنَّهُ متعلق بمحذوف، لأنَّهُ حال من « الرِّجالِ » أي : أتأتونهم منفردين عن النِّساء.
والثاني : أنَّهُ متعلِّق ب « شَهْوَة »، قاله الحوفيُّ. وليس بظاهر أن تقول :« اشتهيتُ من كذا »، إلاَّ بمعنى غير لائق هنا.
والثالث : أن يكُون صفة ل « شهوة » أي : شهوة كَائِنَة من دونهن.
قوله :﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ « بل » للإضراب، والمشهور أنهُ إضراب انتقالٍ من قصّة إلى قصّة، فقيل : عن مذكور، وهو الإخبار بتجاوزهم عن الحدِّ في هذه الفاحشة، أو عن توبيخهم وتقريرهم، والإنكار عليهم.
وقيل : بل للإضراب عن شيء مَحْذُوفٍ. واختف فيه :
فقال أبُو البقاء :« تقديرُهُ : ما عَدَلْتُم بل أنتم ».


الصفحة التالية
Icon