﴿ ولكن كَذَّبُواْ ﴾ [ الأعراف : ٩٦ ] أستمرّ حذفه بعد ذلك، وأمَّا في يونس فقد أبرزه في قوله :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ ﴾ [ يونس ٧٤ ].
﴿ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ [ يونس : ٧٣ ] فناسب ذكره موافقة قال معناه الكرمَانِيّ.
فصل في معنى « ما كانوا ليؤمنوا »
قال ابن عباس والسُّدِّيُّ :« فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عن إرسالي بما كذبوا به يوم أخذنا مِيثاقَهُم حين أخرِجُوا من ظهر آدم فآمنوا كرهاً وأقرُّوا باللِّسانِ وأضمروا التَّكذيب ».
وقال الزَّجَّاجُ :« فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤيةِ تلك المعجزات بما كَذَّبُوا قبل رؤية المُعْجِزَاتِ ».
وقيل : معناه ما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ورددناهم في دار التكليف ليؤمنوا بما كذَّبُوا به قبل إهلاكهم، ونظيره قوله تعالى :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ].
[ وقيل : إنه قبل مجيء الرسول كانوا مصرين على الكفر فهؤلاء ما كانوا ليؤمنوا بعد مجيء الرسل ] وقيل : ليؤمنوا في الزَّمانِ المستقبل
قوله :﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين ﴾.
قال الزَّجَّاجُ : والكاف في « كذلك » في محلِّ نصب [ أي : مثل ذلك الطبع على قلوب أهل القرى المنتفي عنهم الإيمان يطبع الله على قلوب الكفرة الجانين ].
قوله تعالى :﴿ وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٠٢ ].
قوله « لأكْثَرِهِمْ » فيه وجوه :
الظَّاهِرُ أنَّهُ متعلقٌ بالوجْدانِ كقولك : ما وجدتُ له مالاً أي : ما صَادَفْتُ له مالاً ولا لقيته.
الثاني : أن يكون حالاً من « عهد » ؛ لأنَّه في الأًل صفة نكرةٍ فلما قُدِّم عليها نُصب على الحال، والأصْلُ : ما وجدنا عهداً لأكثرهم، وهذا ما لم يذكر أبُو البقاءِ غيره.
وعلى هذين الوجهين ف « وَجَدَ » متعدِّية لواحد وهو « من عَهْدٍ »، و « منْ » مزيدةٌ فيه لوجود الشرطين.
الثالث : أنَّهُ في محلِّ نصب مفعولاً ثانياً لوجَدَ إذ هي بمعنى علمية، والمفعول هو « مِنْ عَهْدٍ ». وقد يترجَّحُ هذا بأنَّ « وَجَدَ » الثانية علمية لا وجدانيَّة بمعنى الإصابة، وسيأتي دليل ذلك. وإذا تقرَّر هذا فينبغي أن تكون الأولى كذلك مطابقة للكلام ومناسبة له، ومن يرجّح الأوَّل يقولُ : إنَّ الأولى لمعنى : والثَّانية لمعنى آخر.
فصل في معنى الآية
قال ابن عباس : يريدُ : وما وجدنا لأكثرهم من عهد، الوفاء بالعهد الذي عاهدهم عليه وهم في صلب آدم حيث قال :﴿ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ].
وقال ابن مَسْعُودٍ :« المرادُ بالعهد هاهنا الإيمان، لقوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً ﴾ [ مريم : ٨٧ ] أي قال : لا إله إلا الله ».
وقيل : المرادُ بالعهدِ وضع الأدلَّةِ على صِحَّةِ التَّوحيد والنَّبوةِ [ تقديره :] وما وجدنا لأكثرهم من الوفاءِ بالعهد.
قوله :« وَإنْ وَجدْنَا » « إنْ » هذه هي المخفَّفةُ وليس هنا عاملة لمباشرتها الفعل فَزَالَ اختصاصُهَا المُقْتَضِي لإعمالها.
وقال الزَّمخشريُّ :« وإنَّ الشَّأن والحديث وجدنا ».