قال أبُو حيَّان : ولا يصحُّ هذا الوجه إلاَّ إن عنى أنه يكون « أن لا أقُول » صفة له كما تقول : أنَا على قول الحقِّ أي : طريقتي وعادتي قول الحقّ.
السادس : أن تكون « على » متعلقة ب « رَسُول ».
قال ابن مقسم : حقيقٌ من نعت « رَسُول » أي رسول حقيق من ربِّ العالمين أرْسِلْتُ على ألاَّ أقولَ على الله إلا الحقَّ، وهذا معنى صحيح واضحٌ، وقد غفل أكثرُ المفسرين من أرباب اللُّغَة عن تعليق « على » ب « رسول »، ولم يخطر لهم تعليقه إلاَّ ب « حقيق ».
قال أبُو حيَّان : وكلامه فيه تَنَاقضٌ في الظَّاهِرِ؛ لأنَّهُ قدَّر أولاً العامل في « عَلَى » « أرسلت » وقال أخيراً :« لأنهم غفلوا عن تَعْليق » على « ب » رسول «، فأمَّا هذا الأخير فلا يجوزُ عند البصريين؛ لأنَّ رسولً قد وُصِف قبل أن يأخذ معموله، وذلك لا يَجُوزُ، وأمَّا تعليقه ب » أرسلت « مقدَّراً لدلالةِ لفظ » رَسُوله « عليه فهو تقديرٌ سائغ.
ويتأوَّل كلامه أنَّه أراد بقوله تُعَلَّقُ » على « ب » رسول « أنه لمَّا كان دالاًّ عليه صحَّ نسبة التَّعلق له.
قال شهابُ الدِّين :» وقال أبُو شامَةَ بعد ما ذكر هذا الوجه عن ابن مقسم : والأوْجهُ الأربعةُ التي للزمخشريِّ ولكن هذه وجوهٌ متعسِّفةٌ، وليس المعنى إلاَّ على ما ذكرته أوَّلاً، يعني وجه ابن مقسم، وهذا فيه الإشكال الذي ذكره الشيخ يعني أبا حيَّان يعني من إعمال اسم الفاعل أو الجاري مجراه وهو موصوفٌ «.
وأمَّا قراءة نافع فواضحةٌ وفيها ثلاثةُ أوجُهٍ :
أحدها : أن يكون الكلامُ قد تم عند قوله :» حقيق «، و » عليَّ « خبر مقدَّمٌ، » ألاَّ أقُولَ « مبتدأ مؤخر، كأنَّهُ قيل : عليَّ عدم قول غير الحقِّ أي : فلا أقُولُ إلا الحقَّ.
الثاني : أن يكون » حَقِيقٌ « خبراً مقدماً، و » ألاَّ أقولَ « مبتدأ على ما تقدَّم بيانه.
الثالث :» أن لا أقول « فاعلٌ ب » حقيقٌ « كأنَّهُ قيل : يحقُّ ويجبُ أن لا أقول، وهذا أغربُ الوُجُوهِ لوضُوحِهِ لفظاً ومعنى، وعلى الوجهين الأخيرين تتعلَّق » عليَّ « ب » حقيقٌ « لأنَّك تقول :» حقَّ عليهِ كذا « قال تعالى :﴿ أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول ﴾ [ الأحقاف : ١٨ ]. وعلى الوجْهِ الأوَّلِ يتعلَّق بمحذوف على ما تقرر.