قوله :« ومَنْ قَالَ » مجرور المَحَلّ؛ لأنه نَسَقٌ على « مَنْ » المجرور ب « من » أي : وممن قال، وقد تقدم نظير هذا الاستفهام في « البقرة : وهناك سؤال وجوابه.
قوله ﴿ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ الله ﴾ وقرا أبو حيوة :»
سأنزّل « مضعفاً وقوله :» مثل « يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه مَنْصُوبٌ على المفعول به، أي سأنزل قرآناً مِثْلَ ما أن الله، و »
ما « على هذا مَوصُولةٌ اسمية، أن نكرة موصوفة، أي : مثل الذي أنزله، أو مثل شيء أنزله.
والثاني : أن يكون نعتاً لمصدر محذوف، تقديره : سأنزل إنزالاً مثل ما أنزل الله، و »
ما « على هذا مصدرية، أي : مثل إنزال الله.

فصل في نزول الآية


قيل : نزلت هذه الآيةُ الكريمة في عبد الله بن أبي سَرْحِ كان قد أسلم، وكان يكتب الوحي للنبي ﷺ فكان إذا أملى عليه »
سميعاً بصيراً « كتب عليماً حكيماً، وإذا أملى عليه » عليماً حكيماً « كتب » غفوراً رحيماً « فلما نزل قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] أمْلاَهَا رسول الله ﷺ فعجب عبد الله من تفصيل خَلْقِ الإنسان، فلما انتهى إلى قوله :﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] فقال :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] فقال النبي ﷺ :» اكتُبْهَا فَهَكَذَا نَزَلَتْ « فَشَكَّ عبد الله. فقال : لئن كان محمد صادقاً فقد أوحي إلي كما أوحي إليه فارتدَّ عن الإسلام، ولحق بالمشركين، ثم رجع عبد الله إلى الإسْلام قبل فتح » مكّة « المشرفة، إذ نزل النبي ﷺ.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره : يريد النَّضْرَ بن الحارثِ، والمستهزئين، وهو جواب لقولهم :﴿ لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا ﴾ [ الأنفال : ٣١ ] وقوله في القرآن :﴿ إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ [ الأنفال : ٣١ ] فكل أحمد يمكنه الإتيان [ بمثله ].
»
وَلَوْ تَرَى « يا محمد » إذ الظالمون « و » إذا « منصوب ب » ترى «، ومَفْعُول الرؤية محذوف، أي : ولو ترى الكُفَّار الكذبةَ، ويجوز ألا يقدّر لها مفعول، أي : ولو كنت من أهل الرُّؤيةِ في هذا الوقتِ، وجواب » لو « محذوف، أي : لَرَأيْتَ أمراً عظيماً.
و »
الظالمون « يجوز أن تكون فيه » أل « للجنس، وأن تكون للعهد، والمراد بهم من تقدَّم ذكره من المشركين واليهود والكذبةِ المفترين و » في غَمَارتِ المَوْتِ « خبر المبتدأ، والجملة في مَحَلِّ خفض بالظَّرْفِ.
و »
الغَمَراتُ جمع « غَمْرة » وهي الشدة المفظعة وأصلها مِنْ غَمَرَةُ الماءُ إذا سَتَرَهُ، وغَمْرَةُ كلِّ شيء كثرته ومعظمه، ومنه غمرة الموت وغمرة الحرب.


الصفحة التالية
Icon