ويقال : غمرت الشيء إذا علاه وغطَّاه.
قال الزَّجَّاج : يقال لكل من كان في شيء كثير : قد غَمَرَهُ ذلك وغمره الدَّيْنُ إذا كثر عليه، ثم يقال للمَكَارِهِ والشدائد : غمرات، كأنها تَسْتُرُ بغمرها وتنزل به قال في ذلك :[ الوافر ]
٢٢٣٤- وَلاَ يُنْجِي مِنَ الْغَمَراتِ إلاَّ | بَرَاكَاءُ القِتَالِ أو الفِراءُ |
٢٢٣٥-................. | وَحَانَ لِتَالِكَ الغُمَرِ انْقِشَاعُ |
وقال الرَّغِبُ : أصل الغَمْرِ إزالةُ أثر الشيء ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله : غمر وغامر، وأنشد غير الراغب على غامر :[ الكامل ]
٢٢٣٦- نَصَفَ النَّهَارُ المَاءُ غَامِرُهُ | وَرَفِيقُهُ بالغَيْبِ لا يَدْرِي |
والغَمْرُ : الذي لم يُجَرِّب الأمور، وجمعه أغْمَار، والغِمْرُ :- بالكسر - الحِقْدُ، والغَمْرُ بالفتح : الماء الكثير، والغَمَرُ بفتح الغين والميم : ما يغمر من رائحة الدَّسَم سائر الروائح، ومنه الحديث « مَنْ بَاتَ وفِي يَدَيْهِ غَمَرٌ ».
وغرم يده، وغمر عرضه دنس، ودخلوا في غُمَارِ الناس وخمارهم، والغمرة ما يطلى به من الزَّعْفران، ومنه قيل للقدح الذي يتناول به الماء : غمر، وفلان مُغَامِرِ إذا رمى بنفسه في الحَرْبِ، إما لِتَوغُّلِهِ وخوضه فيه، وإما لِتَصَوُّر الغمار منه.
قوله :« والملائِكَةُ بَاسِطُوا أيديهم » [ جملة في محل نَصْبٍ على الحال من الضمير ] المستكن في قوله :« في غمرات »، و « أيديهم » خفض لفظاً، وموضعه نصب أي : باسطو أيديهم بالعذابِ يضربون وجُوهَهُمْ وأدبارهم وقوله « أخرجوا » منصوب المحل بقول مضمر، والقول يُضْمر كثيراً، تقديره : يقولون : أخرجوا، كقوله :﴿ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾ [ الرعد : ٢٣، ٢٤ ] أي : يقولون : سلام عليكم، وذلك القول المضمر في مَحَلِّ نصب على الحال من الضمير في « باسطو ».
فإن قيل : إنه لا قُدْرَةَ لهم على إخْرَاجِ أرواحهم من أجسادهم، فما الفائدة في هذا الكلام؟
فالجواب : أن في تفسير هذه الكلمة وجوه :
أحدهما : ولو ترى الظَّالمين إذ صاروا إلى غمراتِ الموْتِ في الآخرة، فأدخلوا جهنم، وغمراتُ الموت عِبَارةٌ عما يصيبتهم هناك من أنواع الشَّدائِدِ والعذاب، والملائكة باسطو أيديهم [ عليهم بالعذابِ ] يُبَكِّتُونَهُمْ بقولهم : أخرجوا أنفسكم من هذا العذابِ الشديد إن قدرتم.
وثانيها : أن المعنى « ولو ترى إذ الظالمون في غمراتِ الموتِ » عند نزول الموت في الدنيا، والملائكة باسطو أيديهم لِقَبْضِ أرواحهم يقولون لهمك أخرجوا أنفسكم من هذه الشَّدائدِ، وخَلِّصُوهَا من هذه الآلام.
وثالثها :« أخرجوا أنفسكم » [ أي : أخرجوها إلينا ] من أجسادكم، وهذه عبارة عن العُنْفِ والتشديد في إزْهَاقِ الروح من غير تنْفِيسٍ وإمهال كما يفعل الغريمُ الملازم المُلحُّ، ويقول : أخرج مَا لِي عَلَيْكَ السَّاعة، ولا أبرح من مكاني حتى أنْزعَهُ من أحْدَاقِكَ.