هذا نَوْعٌ آخر من دلائل وجود الصَّانع وعلمه وقدرته وحكمته، فالنوع الأوَّل من دلالة النبات والحيوان، والنوع الثاني من أنواع الفلك.
وقوله :﴿ فَالِقُ الإصباح ﴾ نعت لاسم الله - تعالى-، وهو كقوله :« فالق الحبِّ » فيما تقدَّم. والجمهور على كَسْرِ همزة « الإصباح » وهو المصدر : أصبح يصبح إصباحاً.
وقال الليث والزجاج : إن الصبح والصباح والإصباح واحد، وهما أول النهار وكذا الفراء.
وقيل : الإصباح : ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
وقيل هو إضاءة الفجر نُقِلَ ذلك عن مُجَاهد، والظَّاهر أن « الإصباح » في الأصل مصدر كالإقبال والإدبار سُمِّيَ به الصباح، وكذا الإمساء وقال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٢٢٥٨- ألاَ أيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ ألا انْجَلِ بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ مِنْكَ بأمْثَلِ
وقرأ الحسن وأبو رجاء وعيى بن عمر :« الأصباح » بفتح الهمزة، وهو جمع « صُبْح » نحو : قُفْل وأقْفَال، وبرد وأبراد، وينشد قوله :[ الرجز ]
٢٢٥٩- أفْنَى رِيَاحاً وَبَنِي رِيَاح تَنَاسُخُ الأمْسَاءِ والأصْبَاحِ
بفتح الهمزة من « الأمساء » و « الأصباح » على أنهما جمع « مُسْي » و « صُبْح »، وبكسرهما على أنهما مَصْدَرَان، وقرئ « فالق الأصباح » بفتح « الأصْبَاح » على حذف التنيون لالتقاء الساكنين كقول القائل في ذلك :[ المتقارب ]
٢٢٦٠-............... وَلاَ ذَاكِرَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاَ
وقرئ ﴿ والمقيمي الصلاة ﴾ [ الحج : ٣٥ ] و ﴿ لَذَآئِقُو العذاب ﴾ [ الصافات : ٣٨ ] بالنصب حَمْلاً لنون على التنوين، إلا أن سيبويه - رحمه الله تعالى - لا يُجِيزُ حَذْفَ التنوين لالتقاء الساكنين إلا في شعر، وقد أجازه المُبرِّدُ في الشعر.
وقرأ يحيى والنخعي وأبو حيوةو :« فلق » فعلاً ماضياً، وقد تقدَّم أن عبد الله قرأ الأولى كذلك، وهذا أدَلُّ على أن القراءة عندهم سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ ألا ترى أن عبد الله كيف قرأ « فلق الحب » فعلاً ماضياً، وقرأ « فالق الإصباح » والثلاثة المذكورين بعكسه.
قال الزمخشري : فإن قلت : فما معنى « فلق الصبح »، والظلمة هي التي تنفلق عن الصُّبح، كما قال :[ الطويل ]
٢٢٦١-............... تَفَرِّيَ لَيْلٍ عَنْ بَيَاضِ نهارِ
قلت : فيه وجهان :
أحدهما : أن يُرَادَ : فالق ظلمة الإصباح، يعني أنه على حذف مضاف.
والثاني : أنه يُرَاد : فالق الإصباح الذي هو عمود الفَجْرِ عن بياض النهار وإسْفَارِهِ، وقالوا : انشق عمود الفجر وانصدع، وسمّوا الفجر فلقاً بمعنى مَفْلُوق؛ قال الطائي :[ البسيط ]
٢٢٦٢- وَأزْرَقُ الفَجْرِ يَبْدُوا قَبْلَ أبْيَضِهِ ....................
وقرئ :« فالق » و « جاعل » بالنصب على المَدْحِ انتهى.
وأنشده غيره في ذلك :[ البسيط ]
٢٢٦٣- فانْشَقَّ عَنْهَا عَمُودُ الفَجْرِ جَافِلَةً عَدْوَ النَّحُوصِ تَخَافُ القَانِصَ اللَّحِمَا
قال الليث : الصبح والصباح هما أوَّلُ النهار، وهو الإصباح أيضاً، قال تبارك وتعالى :« فالق الإصباح » يعني الصبح.


الصفحة التالية
Icon