﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً ﴾ [ نوح : ١ ] ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾ [ الحجر : ٩ ] ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [ القدر : ١ ] قوله :« فَأخْرَجْنَا مِنْهُ » في الهاء وجهان :
أحدهما : أن يعود على النَّبَاتِ، وهو الظاهر، و لم يذكر الزمخشري غيره، وتكون « من » على بابها من كونها لابتداء الغاية، أو تكون « من » للتبعيض، وليس كذلك.
والثاني : يَعودُ على الماء، وتكون « من » سَبَبِيَّةً.
وذكر أبو البقاء- رحمه الله تعالى - الوَجْهَيْنِ، فقال :« فَأخْرَجْنَا مِنْهُ » أي : بسببه، ويجوز أن تكون الهاء في « منه » راجعةً علىلنبات، وهو الأشبه، وعلى الأول يكون « فأخْرَجْنَا » بدلاً من « أخْرَجْنَا » الأول أي : أنه يكتفي في المعنى بالإخبار بهذه الجملة الثانية، وإلا فالبدلُ الصناعي لا يظهر، فالظاهر أن « فأخرجنا » عطف على « فأخرجنا » الأول.
وقال أبو حيان : وأجاز أبو البقاء - رحمه الله تعالى- أن يكون بدلاً من « فأخرجنا ».
قلت : إنما جعله بَدَلاً بِنَاءً على عَوْدِ الضمير في « منه » على الماء فلا يَصِحُّ أن يحكى عنه أنه جَعَلَهُ بدلاً مطلقاً؛ لأن البدليَّة لا تتصَوَّرُ على جعل الهاء في « منه » عائدةً على النبات، والخَضِرٌ بمعنى الأخْضَر ك « عَوِر » و « أعور ».
قال أبو اسحاق : يقال : أخضر يخضر فهو خضر وأخضر ك « أعور » فهو عَوِر وأعور.
والخُضْرَة أحد الألوان، وهو بين البياض والسواد ولكنها إلى السَّوادِ أقرب، وكذلك أطْلِقَ الأسود على الأخضر، وبالعكس، ومنه « سواد العراق » لِخُضْرَةِ أرضه بالشجر، وقال تبارك وتعالى :﴿ مُدْهَآمَّتَانِ ﴾ [ الرحمن : ٦٤ ] أي : شَديدتَا السواد لريِّهِمَا، والمُخاضَرَةُ مُبايَعَةُ الخُضَرِ والثمار قبل بلوغها، والخضيرة : نخلة ينتثر بُسْرُهَا أخضر.
وقوله ﷺ :« إيَّاكُمْ وخَضْرَاءَ الدِّمَنِ » فقد فَسَّرَهُ رسول الله ﷺ بقوله :« المَرْأةُ الحَسْنَاءُ في المَنْبَتِ السُّوءِ » والدِّمنُ : مَطَارحُ الزِّبَالَةِ، وما يُسْتَفْذّرُ، فقد يَنْبُت منها ما يَسْتَحْسِنُهُ الرائي.
قال اللَّيْثُ : الخضر في كتاب الله الزَّرْعُ والكلأ، وكل نبت من الخضر.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز، والمراد بهذا الخضر العود الأخضر الذي يخرج أوّلاً، وتكون السُّنْبُلَةُ مركبةً عليه من فوقه
قوله :« نُخْرِجُ مِنْهُ » أي : من الخضر.
والجمهور على « نخرج » مُسْنَداً إلى ضمير المعظم نفسه.
وقرأ ابن محيصن والأعمش :« يخرج » بياء الغيبة مبنياً للمفعول و « حَبٌّ » قائم مقام فاعله، وعلى كلتا القراءتين تكون الجملة صفةً ل « خَضِراً » وهذا هو الظاهر، وجوّزوا فيها أن تكون مُسْتَانَفَةً، و « متراكب » رفعاً ونصباً صفة ل « حب » بالاعتبارين، والمعنى أن تكون الحبَّات متراكبةً بعضها فوق بعض، مثل [ سَنَابِلِ ] البُرِّ والشعير والأرز، وسائر الحبوب، ويحصل فوق السُّنْبُلَةِ أجسام دقيقة حادة كأنها الإبَرُ، والمقصود [ من تخليقها مَنْعُ الطير من التِقَاطِ تلك الحبَّاتِ المتراكبة.