وأيضاً فإن الجمع من قِنْوان وصِنْوَان إنما فهمناه من صيغة فعلان، ولا من الزيادتين، بخلاف « الزيدين » فإن الجمع فهمناه منهما، وهذا الفصل الذي من محاسن علم الإعارب والتصريف واللغة.
وقال الراغب : بعد أن ذكر أنه العِذق : والقناة تُشْبِهُ القِنْوَ في كونها غُصْنَيْنِ، وأما القناة التي يجري فيها الماء قيل لها ذلك؛ لأنها تشبه القناة في الخطِّ والامتداد.
وقيل : أصلة من قَنَيْتُ الشيء إذا ادّخرته؛ لأنها مُدَّخرة للماء.
وقيل : هو من قَانَاهُ أي : خالطه.
قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٢٢٧١- كبِكْرِ مُقَانَاةِ البيَاضِ بِصُفْرَةٍ غَذَاهَا نُمَيْرُ غَيْرَ مَحَلِّلِ
وأما « القَنَا » الذي هو الاحْدِيدابُ في الأنْفِ فَيْشَبَّهُ في الهيئة بالقنا يقال : رجل أقْنَى، وأمرأةٌ قَنْوَاء، كأحْمَر وحمراء.
والطَّلْعُ : أوَّل ما يخرج من النَّخْلة في أكْمامِهِ.
قال أبو عبيد : الطَّلْعُ الكُفُرَّى قبل أن تَنْشَقَّ عن الإغريض والإغْريضُ يسمى طلعاً يقال : أطلعت النخلة إذا أخرجت طلعها تطلع إطلاعاً وطلع الطلع يطلع طلوعاً؛ ففرقوا بين الإسنادين، وأنشد بعضهم في مراتب ام تثمره النخل قول الشاعر :[ الرجز ]
٢٢٧٢- إنْ شِئْتَ أنْ تَضْبِطَ يَاخَلِيلُ أسْمَاء مَا تُثْمِرُهُ النَّخِيل
فَاسْمَعْهُ مَوْصُوفاً عَلَى مَا أذْكُرُ طَلْعٌ وبَعءدَهُ خلالٌ يَظْهَرُ
وبَلَحٌ ثُمَّ يَلِيهِ بُسْرُ ورُطَبٌ تَجْنِيهِ ثُمَّ تَمْرُ
فَهَذِهِ أنْواعُهَا يَا صِاحِ مَضْبُوطَةً عَنْ صَاحِبِ الصِّحَاحِ
قوله :« وجَنَّاتٍ » الجمهور على كَسْرِ التاء من « جنات » ؛ لأنها مَنْصُوبة نَسَقاً على « نبات » أي : فأخرجنا بلاماء النبات وجنات، وهو من عَطْفِ الخاصِّ على العام تشريفاً لهذين الجنسين على غيرهما كقوله تعالى :﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] وعلى هذا فقوله :﴿ وَمِنَ النخل مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ ﴾ جملة معترضة وإنما جيئ بهذه الجملة معترضة وأبرزت في صورة المبتدأ والخبر تعظيماً للْمنَّةِ به لأنه من أعظم قُوتِ العرب، ولأنه جامع بين التَّفَكُّهِ والقوت.
ويجوز أن ينتصب « جنات » نسقاً على « خَضِراً »، وجوز الزمخشري - وجعلهُ الأحسن - أن ينتصب على الاختِصَاصِ، كقوله :﴿ والمقيمي الصلاة ﴾ [ الحج : ٣٥ ].
قال :« لفضل هذين الصِّنفين » وكلامه يفهم أن القراءة الشهيرة عنده رفع « جَنَّات » والقراءة بنصبهما شاذَّة، فإنه أوَّل ما ذكر توجيه الرَّفْع كما سياتي، ثم قال : وقرئ « وجنات » بالرفع وفيها ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنها مرفوعة بالابتداء، والخبر محذوف، واختلفت عبارة العربين في تقديره فمنهم من قدَّرهُ متأخراً ومنهم من قدَّرَهُ متقدماً؛ فقدَّره الزمخشري متقدماً أي : وثمَّ جنات، وقدره أبو البقاء : ومن الكَرْمِ جنَّاتٌ، وهذا تقدير حسن لِمُقابلةِ قوله :« ومِنَ النَّخْل » أي : من النخل كذا، ومن الكرم كذا، وقدَّرهُ النَّحَّاسُ « ولَهُمْ جنَّاتٌ »، وقدره ابن عطية :« ولكن جنَّات ».


الصفحة التالية
Icon