﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [ البقرة : ٢١٩ ] ثم قال :﴿ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ﴾ [ البقرة : ٢١٩ ] والأطباء يتخذون من عجمه جوارشات عظيمة النفع للمعدة الضعيفة الرطبة، فتبيّن أن العنب كأنه سلطان الفواكه، وأما الزَّيْتُونُ فهو أيضاً كثير النَّفْعِ كثير البركة؛ لأنه يمكن تَنَاوُلُهُ كما هو، ونفصل عنه أيضاً دهن كثير عظيم النفع في الأكل، وسائر وجوه الاستعمال وأما الرمان فحاله عجيب جداً؛ لأنه جِسْمٌ مُرَكَّبٌ من أربعة أقسام : قشرة وشحمه وعجمه وماءه، فأما الأقسام الثلاثة وهي القشر والشحم والعجم، فهي باردة يابسة أرضية كثيفة قابضة عَفِصَةٌ قوية في هذه الصفات وأما ماءُ الرمان فبالضَّدِّ من هذه الصفات، فإنه ألَدُّ الأشْرِبَةِ وألْطَفُهَا، وأقربها إلى الاعتدال، وأشَدُّهَا مناسبة للطَّبائِع المعتدلة فيه تقوية للمِزَاج الضعيفن وهو غذاء من وَجْهٍ، ودواء من وجه آخر، فإذا تَأمَّلت في الرُّمَّان وجدت الأقسام الثلاثة في غاية الكثافةِ التامة الأرضية، ووجدت القسم الرابع وهو مَاءُ الرُّمَّانِ في غاية اللَّطَافَةِ والاعتدال، فكأنه تبَارك وتعالى جمع فيه بين المُتَضَادَّيْنِ المُتَغَايريْنِ، فكانت دلالة القدرة والحكمة فيه أكمل وأتم.
نَبَّه تعالى بذكر هذه الأقسام الأربعة [ التي هي أشرف أنواع النبات ] على الباقي.
قوله :« مُشْتَبِهاً » حالٌ؛ إما من « الرُّمَّان » لِقُرْبِهِ، وحذفت الحال من الأول؛ تقديره : والرمان مشتبهاً، ومعنى التشابه أي في اللَّوْنِ، وعدم التشابه أي في الطعم.
وقيل : هي حال من الأول، وحذفت حال الثاني، وهذا كما تقدَّم في الخبر المحذوف، نحو :﴿ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ [ التوبة : ٦٢ ] وإلى هذا نحا الزمخشري، فإنه قال : تقديره : والزيتون مشتبهاً، وغير مشتبه، والرمان كذلك؛ كقول القائل في ذلك :[ الطويل ]
٢٢٧٥- رَمَانِي بأمْرٍ كُنْتُ مِنءهُ وَوَالِدِي | بَرِيئاً....................... |
قال أبو حيان :« فعلى قوله يكون تقدير البيت : كنت منه بريئاً، ووالدي كذلك، أي : بريئاً، والبيت لا يتَعيَّنُ فيه ما ذكره؛ لأن » ريئاً « على وزن » فعيل « كصديق ورفيق، فَصَحَّ أن يخبر به عن المفرد والمثنى والمجموع، فيحتمل أن يكون » بريئاً « خبر » كان « على اشتراك الضمير والظاهر المعطوف عليه فيه إذ لا يجوز أن يكون خبراً عنهما، ولا يجوز أن يكون حالاً عنهما، إذ لو كان كذلك لكان التركيب مشتبهين وغير مشتبهين ».
وقال أبُو البقاءِ : حَالٌ من « الرمان » ومن الجميع، فإن عَنَى في المعنى فصحيح، ويكون على الحذف، وكما تقدم فإن أراد بالصِّناعةِ، فليس بشيء؛ لأنه كأنه يلزم المطابقة.
والجمهور على « مشتبهاً ». وقرئ شاذاً « متشابهاً » وغير متشابه كالثانية، وهما بمعنى واحِدٍ قال الزمخشري :« كقولك اشتبه الشيئان، وتشابها كاسْتَوَيَا وتَساوَيَا والافتعال والتَّفَاعُل يشتركان كثيراً ».