الرابع : أن يكون « شركاء الجن » مفعولين على ما تقدَّم بيانه، و « لله » متعلق بمحذوف على أنه حالٌ من « شركاء » ؛ لأنه لو تأخَّرَ عنها لجاز أن يكون صفة لها قاله أبو البقاء، وهذا لا يَصِحُّح؛ لأنه يصير المعنى : جعلوهم شركاء في حال كَوْنِهِم لله، أي : مملوكين، وهذه حالٌ لازمة لا تَنْفَكُّ، ولا يجوز أن يقال : إنها غير منتقلة؛ لأنها مؤكدة؛ إذا لا تأكيد فيها هنا، وأيضاً فإن فيه تَهْيِئَةَ العامل في معمول وقطعه عنه، فإن « شركاء » يطلب هذا الجارّ يعلمل فيه، والمعنى مُنْصَبُّ على ذلك.
الخامس : أن يكون « الجنَّ » مَنْصُوباً بفعل مضمر جواب لسؤال مقدر، كأن سائلاً سألَ، فقال بعد قوله تعالى ﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ﴾ : مَنْ جعلوا لله شركاء؟ فقيل : الجنّ، أي : جعلوا الجِن.
نقله أبو حيَّان عن شيخه أبي جعفر بن الزبير، وجعله أحسن مما تقدم؛ قال :« ويؤيد ذلك قراءة أبي حيوة، ويزيد بن قطيب » الجنُّ « رفعاً على تقدير : هم الجنّ جواباً لمن قال : جعلوا لله شركاء؟ فقيل : هم الجنُّ، ويكون ذلك على سبيل الاسْتِعْظَامِ لما فعلوه، والاسْتِنْقَاصِ بمن جعلوه شَرِيكاً لله تعالى ».
وقال مكي :« وأجاز الكِسَائِيُّ » رفع « الجنّ » على معنى هم الجنّ «. فلم يَرْوِها عنه قراءة، وكأنه لم يَطَّلِعْ على أن غيره قرأها كذلك.
وقرأ شعيب بن أبي حمزة، ويزيد بن قطيب، وأبو حيوة في رواية عنهما أيضاً » شركاء الجنِّ « بخفض » الجنّ «.
قال الزَّمَخْشريّ :» وقرئ بالجر على الإضافة التي للتَّبْيينِ، فالمعنى : أشركوهم في عبادتهم؛ لأنهم أطَاعُوهُمْ كما أطاعوا الله «.
قال أبو حيَّان : و لا يتَّضِحُ معنى هذه القراءة؛ إذا التقدير : وجعلوا شركاء الجن لله.
قال شهاب الدين : مَعْنَاها واضح بما فَسَّرَهُ الزمخشري في قوله، والمعنى : أشْرَكوهم في عبادتهم إلى آخرن، ولذلك سمَّاها إضافة تبيين أي أنه بين الشركاء، كأنه قيل : الشركاء المطعيين للجن.