وإن علم أنه ليس في تحصل الولد كمال ونفع، فيجب ألاَّ يحدثه ألبتة، وهذا هو المراد من قوله تعالى :﴿ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ وأما الاحتمال الثالث فذلك بَاطِلٌ غير مُتَصَوَّرٍ، ولا مفهوم للعقل، بإثبات الولادة بناء على ذلك مَحْضُ الجهل، وهو بَاطِلٌ.
قوله :« ذَلِكُم » أي : ذلكم الموصوف بتلك الصِّفَاتِ المتقدمة اللَّهُ تعالى فاسم الإشارة مبتدأ، و « الله » تعالى خبره، وكذا « ربكم »، وكذا الجملة من قوله :« لا إله إلا هو »، وكذا « خلاق ».
قال الزمخشري :« وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة ».
قال شهاب الدين : وهذا عند من يُجِيزُ تَعَدُّدَ الخبر مُطْلَقاً، ويجوز أن يكون « الله » وَحْدَهُ هو الخبر، وما بعده أبْدَالٌ، كذا قال أبو البقاء، وفيه نظرٌ من حيث إنَّ بعضها مُشْتَقٌّ، والبدل يَقِلُّ بالمُشْتَقَّاتِ، وقد يقال : إنَّ هذه وإن كانت مُشْتَقَّةً ولكنها بالنِّسْبَةِ إلى الله - تعالى من حيث اختصاصها به صارت كالجَوَامِدِ، ويجوز أن يكون « الله تعالى هو البدل، وما بعده أخبار أيضاً.
ومن منع تعدُّدَ الخبر قدَّرَ قبل كُلِّ خبر مبتدأ أو يجعلها كلها بمنزلة اسم واحد، كأنه قيل : ذلك المَوْصُوفُ هو الجامع بين هذه الصفات.

فصل في إثبات وحدانية الله تعالى


اعلم أنه - تبارك وتعالى - لمَّا أقام الحُجَّة على وُجُودِ الإله القادرِ المختار الحكيم، وبيَّن فساد كل من ذهب إلى الإشراك، وفصَّل مذْهبهُمْ، وبيَّن فسادَ كل واحد منها، ثم حكى مَذْهَب مَنْ أثبت لله البَنينَ، وبيَّن فسادَ القول بها بالدليل القاطع، فعند هذا ثبَتَ أن إلهَ العالم فَرْدٌ أحَدٌ صَمَدٌ مُنَزَّهٌ عن الشَّريكِ والنظير، ومُنَزَّهُ عن الأولادِ، فعند هذا صرَّح بالنَّنتيجة، فقال :﴿ ذلكم الله رَبُّكُمْ لاا إله إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فاعبدوه ﴾ ولا تعبدوا غيره، فهو المُطَّلِعُ بمُهِمَّاتِ جميع العِبَادِ، وهو الذي يسمع دعاءهم وحَاجَتَهُمْ، وهو الوكيل لكل أحد على حصول مُهَمَّاتِهِ.
أعلم أنه - تبارك وتعالى - بيَّن في هذا السورة بالدلائل القاطعة الكثيرة افْتِقَارَ الخَلْقِ إلى خالقٍ ومُوجِدٍ ومُبْدِعٍ ومُدَبِّرٍٍ، ولم يذكر دليلاً مُنْفَصِلاً يَدُلُّ على نَفْي الشركاء والأضْدادِ والأنْدَادِ، بل نقل قَوْلَةَ من أثْبَتَ الشريك من لاجن، ثم أبْطَلَهُ ثم أتى بالتوحيد المَحْضِ بعده، فقال :﴿ ذلكم الله رَبُّكُمْ لاا إله إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فاعبدوه ﴾ وإقامة الدليل على وُجُودِ الخالق وتزْيِيف دليل من أثبت لله - تعالى - شِرِيكاً كيف يوجب الجَزْمَ بالتوحيد المَحْضِ، وللعلماء في إثبات التوحيد طُرُقٌ.


الصفحة التالية
Icon