أحدها : قال المُتقدِّمُونَ : الصَّانِعُ الواحد كافٍ في كونه إلهاً للعالم ومُدَبِّراً له، والقول بالزَّائِدِ على الواحد مُتَكَافِئ، لأن الزَّائدَ على الواحد لم يَدُلَّ الدليل على ثُبُوتِهِ، ولم يكن إثبات عددٍ أوْلَى من إثْباتِ عدد آخر، فلزم إمَّا إثبات آله لا نهاية لها، وهو مُحَالٌ، أو إثبات عدد مُعَيَّنٍ مع أنه ليس ذلك العَدَوُ أوْلَى من سائر الأعْدَادِ، وهو أيضاً محال، وإذا بطل القسمان تعيَّنَ القول بالتوحيد.
الثاني : أن الإله القادرَ على كُلِّ الممكنات العالم بِكُلِّ المعلومات كافٍ في تَدْبيرِ العالم، فلو قدرت إلهاً ثانياً لكان ذلك الثَّانِي إمَّا أن يكون فاعلاً مختاراً أو موجد الشيء من حوادث العالم أوْلَى بكون الأول باطلاً لأنه لما كان كل واحد منهما قادراً على جميع المُمْكِنَاتِ، فكل فعل يفعله أحدهما صَارَ كونه فاعلاً لذلك الفعل قادراً على جميع المُمْكِنَاتِ، فكل فعل يفعل أحدهما صَارَ كونه فاعلاً لذلك الفعل مانعاً للآخر عن تحصيل مقصود ومَقْدُوره، وذلك يوجب كون كل واحد منهما سبباً لعجز الآخر وهو مُحَالٌ، وإن كان الثاني لا يفعل فعلاً، ولا يوجد شيئاً كان ناقصاً معطلاً، وذلك لا يصلح للإلهية.
الثالث : أن الإله الواحد لا بد وأن يكون [ كاملاً ] في صفة الإلهية، فلو فرضنا إلهاً ثانياً لكان ذلك الثاني إما يكون مُشَاركاً لأوَّل في جميع صفات الكمال أو لا، فإن كان مشاركاً للأوَّلِ في جميع صفات الكمال، فلا بد وأن يكون متميزاً بأمرها، إذ لو لم يحصل الأمر المميز إما أن يكون من صفات الكمال أو لا يكون، فإن كان من صفات الكمال مع أنه حصل الامتياز به ] لم يكن جميع صفات الكمال مشركاً فيه بينهما وإن لم يكن ذلك المميز نُقْصَان، فثبت بهذه الوُجُوهِ الثلاثة أن الإله الواحد كافٍ في تدبير العالم، وأن الزائد يجب نَفْيُهُ.
تمسَّك العلماء- رضي الله عنهم- بقوله تبارك وتعالى « خَالِق كُلِّ شيءٍ » على أنه - تبارك وتعالى - هو الخالق لأعمال العبادِ قالوا : لأن أعمال العبادِ أشياء، والله خَالِقٌ لكل شيء بحكم هذه الآية، فوجب كونه خالقاً لها.
قالت المعتزلة : هذا اللَّفْظُ وإن كان عاماً إلا أنه حصل مع هذه الآيةِ وجوه تَدُلُّ على أن أعمال العبادِ خارجة عن هذا العموم.
أحدها : أنه - تبارك وتعالى- قال :« خَالِق كُلِّ شيءٍ فاعْبدُوهُ » ولو دخلت أعمال العبادِ تحته لصارَ تقدير الآية الكريمة : إنا خلقنا أعمالكم، فافعلوها بأعيانها أنتم مرة أخرى، وذلك فَاسِدٌ.
وثانيها : أنه تبارك وتعالى - إنما [ قال :] « خَالِق كُلِّ شيءٍ » في معرض المَدْح والثناء على نفسه، فلو دخل تحت أعْمَالِ العباد لخرج عن كَوْنِهِ مدحاً؛ لأنه لا يليق به تعالى أن يَمْتَدِحَ بِخَلْقِ الزنا واللواط، والسرقة والكفر.