قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن أن الإيمان لا يحصل إلا بالطاعة قال :﴿ إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ يقال :« وَجِلَ » الماضي بالكسر « يَوْجَلُ » بالفتح، وفيه لغة أخرى، قُرىء بها في الشَّاذ وجَلَتء بفتح الجيم في الماضي وكسرها في المضارع، فتحذف الواو، ك : وعَدَ يَعِدُ، ويقال في المشهورة : وجِلَ يَوْجَل، ومنهم من يقول « يَاجَلُ » بقلب الواو ألفاً، وهو شاذٌّ؛ لأنَّه قلْبُ حرفِ العلّة بأحد السَّببينِ وهو انفتاحُ ما قبل حرفِ العلَّةِ دون تحركه وهو نظيرُ « طَائِيٍّ » في النَّسب إلى « طَيِّىء ».
ومنهم من يقول :« يبجَلُ » بكسر حرف المضارعة، فتقلب الواوُ ياءً، لسكونها وانكسرا ما قبلها، وقد تقدَّم في أول الكتاب أنَّ من العرب من يكسرُ حرف المضارعةِ بشروطٍ منها : أن لا يكون حرفُ المضارعة ياءً إلاَّ في هذه اللَّفظةِ، فقال « يَيَجَلُ » فأخذ قلب الواو ممَّن كسر حرف المضارعة، وأخذ فتحَ الياءِ من لغة الجمهور.
والوَجَلُ : الفزَعُ.
وقيل : استشعارُ الخوف يقال منه : وجِلَ يُوْجَلُ، ويَاجَلُ، ويَيْجَلُ، ويِيجَلُ، وَجَلاً فهو وَجِلٌ.

فصل


معنى الآية : إنَّما المؤمنون الصَّادقون في إيمانهم :﴿ إالذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ خافت وفرقت، وقيل : إذا خوفوا باللَّهِ انقادُوا خوفاً من عقابه. ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾ وتصديقاً ويقيناً، قال عمر بن حبيب وكانت له صحبة : إن للإيمان زيادةً ونقصاصناً، قيل فما زيادته؟ قال : إذا ذكرنا الله وحمدناه فذلك زيادته، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه.
وكتب عمرُ بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي :« إنَّ للإيمان فرائضَ وشرائعَ وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان ».
ثم قال :﴿ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ يفوضون إليه أمورهم، ويثقون به، ولا يرجون غيره، فالتَّقديمُ يفيدُ الاختصاص، أي : عليه لا على غيره، وهذه الجملةُ يحتمل أن يكونَ لها محلٌّ من الإعراب، وهو النَّصْبُ على الحالِ من مفعول : زادَتْهُم، ويحتمل أن تكون مستأنفة، ويحتمل أن تكون معطوفة على الصِّلةِ قبلها، فتدخل في حيِّز الصلاتِ المتقدِّمةِ. وعلى الوجهين فلا محلَّ لها من الإعراب.


الصفحة التالية
Icon