فخرج أبو جهلٍ بجميع أهل مكَّة وهم النَّفيرُ، وفي المثل السَّائر : لا في العير، ولا في النفير، فقيل له : إنَّ العير قد أخذت طريق السَّاحل، ونجتْ، فارجع بالنَّاس إلى مكة، فقال : لا والله لا يكونُ ذلك أبداً حتَّى ننحرَ الجزور، ونشرب الخُمُورَ، ونقيم القينات والمعازف ببدر، فيتسامع العربُ بخروجنا، وأنَّ محمداً لم يُصِب العير، فمضى بهم إلى بدرٍ، وبدرٌ كانت العربُ تجمع فيه يوماً في السَّنةِ لسوقهم.
« ونزل جبريلُ وقال : إنَّ القوم قد خرجوا من مكَّة على كلِّ صعبٍ وذلولٍ، وإن الله قد وعدكم أحدى الطائفتين فالعيرُ أحب إليكم أم النفير؟.
قالوا : بل العيرُ أحبُّ إلينا من لقاء العدو، فتغيَّر وجهُ رسول الله ﷺ، وقال : إنَّ العير قدمضت على ساحلِ البَحْرِ، وهذا أبو جهل قد أقبل.
فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودَع العدُوَّ فقام عند غضب رسول الله ﷺ أبو بكر وعمر لإأحسنا، ثمَّ قام سعدُ بنُ عبادة وقال : امْضِ لِمَا أمرك اللَّهُ به، فواللَّهِ لو سرت إلى عدن ما تخلَّف رجلٌ عنك من الأنصار، ثم قال المقدادُ بنُ عمرو : يا رسول الله امض لما امرك اللَّهُ؛ فإنَّ معك حيث أردت، لا نقولُ لك كما قالت بَنُو إسرائيل لموسى :﴿ فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلاا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [ المائدة : ٢٤ ] ولكن نقول : اذْهَبْ أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون ما دامت عين منَّا تطرف، فضحك رسولُ اللَّه ﷺ ثم قال :» سِيرُوا على بركةِ الله، وأبشروا، فإنَّ اللَّهَ اللَّهَ قد وعدنِي إحْدَى الطائفتين، واللَّهِ لكَأنِّي الآن أنظرُ إلى مصارعِ القوْمِ «
عن أنس قال رسُول اللَّهِ ﷺ » هذا مصرعُ فُلانٍ قال : ويضعُ يدهُ على الأرض ههنا وههنا، قال : فَمَا مَاطَ أحدهم عن موضع يَدِ رسول الله ﷺ. ولمَّا فرغ نبيُّ الله من بدر قال بعضهم : عليك بالعير، فناداهُ العبَّاسُ وهو في وثاقه : لا يصلحُ، فقال النبي ﷺ : لِمَ؟ قال : لأنَّ اللَّهَ وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك «
إذا عرف ذلك نقولُ كانت كراهية القتال حاصلة لبعضهم لقوله تعال :﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ ﴾ [ الأنفال : ٥ ] والحق الذي جادلوك فيه رسول الله ﷺ تليق النفير لايثارهم العير.