قوله :﴿ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ ﴾ المرادُ منه : إعلام رسُول اللَّهِ بأنَّهم ينصرون، وجدالهم قولهم : ما كان خُروجنا إلاَّ للعير، وهلاَّ قلت لنا لنستعدّ ونتأهبّ للقتالِ؛ لأنَّهم كانُوا يكرهون القتال ثُم إنَّه تعالى شبَّه حالهم في فرط فزعهم بحال من يُجَرّ غلى القتل، ويُسَاق إلى الموت وهو شاهد لأسبابه ناظر إلى موجبته، ومنه قوله عليه السَّلأامُ :« من نفى ابنه وهو ينظر إليه » أي يعلم أنَّه ابنه، كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [ النبأ : ٤٠ ] أي يعلم وكان خوفهم لأمور :
أحدها : قلَّة العدد.
وثانيها : كانوا رجَّالة، روي أنه ما كان فيهم إلا فارسان. وثالثها : قلة السلاح.
قوله : يُجالدُونك يحتمل أن يكون مُسْتأنفاً إخباراً عن حالهم بالمجادلةِ، ويحتمل أن يكون حالاً ثانية أي : أخرجك في حال مجادلتهم إيَّاك، ويحتمل أن يكون حالاً من الضَّمير في لكارهُون، أي : لكارِهُونَ في حال جدالٍ.
والظاهرُ أنَّ الضميرَ المرفوع يعودُ على الفريق المتقدِّم.
ومعنى المجادلة قولهم : كيف تُقاتل ولم نستعد للقتال؟ ويجوزُ أن يعود على الكفَّارِ، وجدالهم ظاهر.
قوله : بَعْدَ ما تبيَّن منصوب بالجدال، و « ما » مصدرية، أي : بعد تَبينِهِ ووضوحه، وهو أقبحُ من الجدال في الشَّيء قبل إيضاحه.
وقرأ عبد الله « بُيِّن » مبنياً للمفعول من : بَيَّنتُهُ أي : أظهرته، وقوله :« وهُمُ ينظرُونَ » حالٌ من مفعول يُساقُونَ.