قوله « وإذْ يعدُكُمُ » « إذْ » منصوب بفعل مقدر، أي : اذكر إذْ، والجمهور على رفع الدال؛ لأنَّه مضارع مرفوع.
وقرأ مسلمة بنُ محاربٍ : بسكونها على التَّخفيفِ لتوالي الحركاتِ.
وقرأ ابنُ محيصن « يعدكم اللَّهُ احدى » يوصل همزة أحْدَى تخفيفاً على غير قياس، وهي نظير قراءة من قرأ :﴿ إِنَّهَا لإِحْدَى ﴾ [ المدثر : ٣٥ ] بإسقاط الهمزة أجرى همزة القطع مُجْرَى همزة الوصل، وقرأ أيضاً أحَد بالتَّذكير؛ لأنَّ الطائفة مؤنث مجازي.
فصل
إحدى الطائفتين أي : الفرقتين :
أحدهما : أبو سفيان مع العير، الأخرى أبو جهل مع النَّفيرِ، و « أنَّها لَكُمْ » منصوبُ المحلِّ على البدلِ مِنْ إحْدَى أي : يَعِدُكم أنَّ إحدى الطائفتين كائنة لكم، أي : تتسلَّطُون عليها تسلُّط المُلاَّكِ، فهي بدل اشتمال وتوَدُّونَ تريدون :﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ ﴾ يعني : العير التي ليس فيها قتال والشَّوكةُ : السلاح كسِنان الرُّمح، والنصل والسَّيف، وأصلها من النَّبتِ الحديدِ الطرف، ك :« شَوْكِ السَّعدان »، يقال منه : رَجُلٌ شائِكٌ، فالهمزة مِنْ « واوٍ »، ك : قائم، ويجوزُ قلبه بتأخير عينه بعد لامه، فيقال : شاكٍ، فيصير ك : غازٍ، ووزنهُ حينئذ فالٍ.
قال زهيرٌ :[ الطويل ]
٢٦٧٢ - لَدَى أسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقذَّفٍ | لهُ لبدٌ أظفارهُ لمْ تُقلَّمِ |
ويحتمل أن يكون حذوف العين، وأصله « شَائِكٌ »، فحذفت العين، فبقي « شاكاً » فألفه زائدةٌ، ووزنه على هذا « فالٍ ».
وأمَّا :« شاكٍ » فمنقوصٌ، وطريقته بالقلب كما تقدم ومن وصف السلاح بالشاك قوله :[ الوافر ]
٢٦٧٣ - وألْبِسُ من رضاهُ في طريقِي | سلاحاً يَذْعَرُ الأبطالَ شَاكَا |
قال : إنَّكُم تريدون الطائفة التي لا حدة لها، يعني : العير، ولكن الله يريدُ التَّوجُّهَ إلى الطائفة الأخرى ليحق الحقَّ بكلماته.
وقرأ مسلمة بن محارب :« بكلمته » على التَّوحيد، والمراد به : اسم الجنس فيؤدِّي مؤدَّى الجمع، والمراد بقوله :« بِكلماتِهِ » أي : بأمره إيَّاكم بالقتالِ، وقيل : بهدايته التي سبقت من إظهار الدّين وإعزازه :﴿ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين ﴾ والدَّابرُ الآخر من دبر، ومنه دابرة الطَّائر وقطع الدَّابر عبارة عن الاستئصال أي : ليستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد.