وجوَّز الخليلُ بنُ أحمد : ضمَّ الراءِ إتباعاً لضم الميم، كقولهم :« مُخُضِم » بضم الخاءِ، وقد قراء بها شذوذاً.
وقرىء « مُرِدِّفين » بكسر الرَّاءِ وتشديد الدَّالِ مكسورة، وكسر الراء يحتمل وجهين : إمَّا لالتقاءِ الساكنين، وإمَّا للإتباع.
قال ابنُ عطيَّة :« ويجوزُ على هذه القراءةِ كسرُ الميم إتباعاً للرَّاءِ، ولا أحفظه قراءة ».
قال شهابُ الدِّين : وكذلك الفتحة في « مُردِّفينَ » في القراءة التي حكاها الخليلُ تحتمل وجهين :
أظهرهما : أنَّها حركةُ نقلٍ من التَّاء - حين قصد إدغامها - إلى الرَّاءِ.
والثاني : أنَّها فُتِحَتْ تخفيفاً وإن كان الأصلُ الكسر على أصل التقاء السَّاكين، كما قد قُرىء به، وقرىء « مِرِدِّفين » بكسر الميم، إتباعاً لكسرةِ الرَّاءِ.
و « الإرداف » الإتباع، والإركاب، وراءك.
وقال الزَّجَّاجُ :« أردفْتُ الرَّجُلَ إذا جئت بعده ».
ومنه :﴿ تَتْبَعُهَا الرادفة ﴾ [ النازعات : ٧ ] ويقال : رَدِف، وأرْدَفَ.
واختلف اللغويون : فقيل هما بمعنى واحد، وهو قول ابن الأعرابي نقله عنه ثعلب.
وقولُ أبي زيْد نقله عنه أبو عبيدٍ، قال : يقال : ردفْتُ الرَّجُلَ وأردفتُهُ، إذا ركِبْتُ خَلْفَهُ؛ وأنشد :[ الوافر ]
٢٦٧٥ - إذَا الجَوْزَاءُ أرْدَفَتِ الثُّرَيَّا | ظَنَنْتُ بآل فَاطِمَةَ الظُّنُونَا |
وقال شمر :« رَدِفْتُ وأرْدَفْتُ إذَا فَعَلْتَ ذلك بنفسكَ، فأمَّا إذَا فعلتهما بغيركَ فأرْدَفْتُ لا غير ».
وقوله :« مُرْدَفينَ » بفتح الدَّال فيه وجهان، أظهرهما : أنَّهُ صفةٌ ل « ألْف » أي : ارْدَفَ بعضهم لبعض، والثاني : أنَّه حالٌ من ضمير المخاطبين في ممدكم.
قال ابن عطية :« ويحتمل أن يراد بالمُرْدَفين : المؤمنون، أي : أرْدِفُوا بالملائكة ».
وهذا نصٌّ فيما ذكر من الوجه الثاني.
وقال الزمخشري : وقرئ « مُرْدفين » بكسر الدَّال وفتحها من قولك : رَدِفه، إذا تبعه، ومنه قوله تعالى ﴿ رَدِفَ لَكُم ﴾ [ النمل : ٧٢ ] أي : ردفكم، وأرْدَفْتُه إيَّاه : إذا تَبِعْتَه، ويقال : أرْدَفته كقولك، اتَّبَعْته : إذا جِئْتَ بعده، ولا يخلُو المكسورُ الدَّالِ من أن يكون بمعنى : مُتْبِعِين، أو مُتَّبِعين.
فإن كان بمعنى مُتْبعين فلا يخلو من أن يكون بمعنى مُتْبِعين بعضهم بعضاً، أو مُتْبِعِين بعضهم لبعض، أي بمعنى مُتْبِعِين إياهم المؤمنين، بمعنى يتقدَّمونهم فيتبعونهم أنفسهم، أو مُتْبِعين لهم يُشيِّعُونهم ويُقدِّمُونهُم بين أيديهم، وهم على ساقتهم ليكونوا على أعينهم وحِفْظِهم أو بمعنى مُتْبِعِين أنفسهم ملائكة آخرين، أو متبعين غيرهم من الملائكة، ويعضد هذا الوجه قوله تعالى في سورة آل عمران