﴿ فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ [ يس : ٨ ] وقال :﴿ فَغَشَّاهَا مَا غشى ﴾ [ النجم : ٥٤ ].
قوله :« أمَنَةً » في نصبها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنَّه مصدرٌ لفعلٍ مقدر، أي : فأمِنْتُم أمَنَةً.
الثاني : أنَّها منصوبةٌ على أنَّها واقعةٌ موقع الحال إمَّا من الفاعل، وإمَّا من المفعول، فإن كان الفاعل ُ « النعاس » فنسبةُ الأمنة إليه مجازٌ، وإن كان الباري تعالى كما هو في القراءتين الأخيرتين فالنسبةُ حقيقيةٌ، وإن كان من المفعولِ فعلى المبالغةِ، أي : جعلهم نفس الأمنة، أو على حذف مضاف، أي : ذوي أمنة.
الثالث : أنَّه مفعولٌ من أجله، وذلك إمّضا أن يكون على القراءتين الأخريين أو على الأولى، فعلى القراءتين الأخريين أمرها واضحٌ، وذلك أن التَّغشية، أو الإغشاء من اللَّهِ تعالى، والأمنةُ منه أيضاً، فقد اتَّحد الفاعل فصحَّ النَّصْبُ على المفعول له، وأمَّا على القراءة الأولى ففاعل « يَغْشَى » النُّعاس وفاعل « الأمنة » الباري تعالى، ومع اختلافِ الفاعل يمتنع النَّصْبُ على المفعولِ له على المشهُورِ، وفيه خلاف اللَّهُمَّ إلاَّ أن يتجوَّز فيجوز.
وقد أوضح ذلك الزمخشريُّ فقال : و « أمَنَةً » مفعولٌ له.
فإن قلت : أما وجب أن يكون فاعلُ الفعل المُعَلَّلِ والعلَّة واحداً؟ قلتُ : بلى، ولكن لمَّا كان معنى :« يَغْشَاكُمُ النعاسُ » تنعسون، انتصب « أمَنَةً » على معنى أنَّ النُّعَاس والأمَنَةَ لهم، والمعنى : إذ تنعسون أمنة بمعنى أمناً.
ثم قال :« فإن قلت : هل يجوز أن ينتصب على أنَّ الأمنة للنُّعاسِ الذي هو فاعل » يَغْشَاكُم؟ أي : يغشاكم النُّعاسُ لأمنة على أنَّ إسنادَ الأمْن غلى النعاس إسنادٌ مجازي، وهو لأصحاب النُّعاس على الحقيقة، أو على أنه أنامكم في وقتٍ كان من حق النعاس في ذلك الوقتِ المخوف أن لا يقدم على غشيانكم، وإنَّما غشَّاكم أمنةً حاصلةً له من اللَّهِ لولاها لم يغشكم على طريقة التَّمثيل، والتخييل «.
قال شهابُ الدين : لا تبعد فصاحة القرآن عن مثله، وله فيه نظائرُ، ولقد ألمَّ به بعضهم؛ فقال :[ الوافر ]

٢٦٧٦ - يَهَابُ النَّوْمُ أنْ يَغْشَى عُيُوناً تَهَابُكَ فهو نفَّارٌ شَرُودُ
قوله :» مِنْهُ « في محلِّ نصب ل » أمَنَةً « والضميرُ في :» منهُ « يجوز ان يعود على الباري تعالى، وأن يعود على » النُّعاسِ « بالمجازِ المذكور آنفاً، وقرأ ابنُ محيصن، والنَّخعي، ويحيى بنُ يعمُر :» أمْنَةً « بسكون الميم، ونظير : أمِنَ أمَنَةً بالتحريك : حَيِيَ حياة، ونظير : أمِنَ أمْنَة بالسُّكُون : رَحِمَ رَحْمَةً.

فصل


كلُّ نوم ونعاس فإنه لا يحصلُ إلاَّ من قبل الله تعالى فتخصيصُ هذا النعاس بأنَّهُ من الله تعالى لا بدَّ منه من فائدة جديدة، وذكرُوا فيه وجوهاً :
أولها : أن الخائف من عدوه خوفاً شديداً لا يأخذه النَّومُ، فصار حصول النَّومِ في وقت الخوفِ الشديد دليلاً على زوال الخوف وحصول الأمنِ.


الصفحة التالية
Icon