وثانيها : أنَّهُم خافُوا من جهات كثيرة : قلة المسلمين، وكثرة الكُفَّارِ، وكثرة الأهبة، والآلة، والعدة للكافرين، والعطش الشديد، فلولا حصول النُّعاس، وحصول الاستراحة حتّضى تمكنوا في اليوم الثاني من القتال لما تمَّ الظفرُ.
وثالثها : أنهم ما ناموا نوماً غرقاً يتمكن العدو منهم، بل كان ذلك نعاساً يزيل الإعياء والكلالة بحيث لو قصدهم العدو لعرفوه، ولقدروا على دفعه.
ورابعها : أنَّ النعاس غشيهم دفعةً واحدةً مع كثرتهم وحصول النُّعاس للجمع العظيم على الخوف الشَّديد أمرٌ خارق للعادة.
فلهذا قيل : إنَّ ذلك النُّعاس في حكم المُعْجِز.
فإن قيل : فإذا كان الأمر كذلك فلم خافوا بعد ذلك؟
فالجواب : لأنَّ المعلوم أنَّ الله تعالى يجعل جُنْدَ الإسلامِ مظفراً منصوراً، وذلك لا يمنع من ضرورة بعضهم مقتولين.
قال ابنُ عباسٍ :« النُّعاس في القتال أمَنَة من اللَّهِ، وفي الصَّلاةِ وسوسة من الشَّيطانِ ».
قوله :﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ العامَّةُ على « ماءً »، و « ليطُهِّركُم » متعلقٌ ب :« يُنَزّل ».
وقرأ الشعبيُّ :« مَا ليُطهركُم » بألفٍ مقصورة، وفيها تخريجان، أشهرهما وهو الذي ذكره ابن جني وغيره - « أنَّ » « مَا » بمعنى « الَّذي » و « لِيُطهِّركُم » صلتها.
قال بعضهم : تقديره : الذي هو ليطهركم. فقدَّر الجار خبراً لمبتدأ محذوف، والجملة صلة ل « مَا » وقد ردَّ أبو حيانهذين التخريجين بأنَّ لامَ « كَيْ » لا تقعُ صلةً.
والثاني : أن « ما » هو ماء بالمدّ، ولكن العرب قد حذفتْ همزته فقالوا :« شَرِبْتُ مًا » بميم منونة حكاه ابن مقسم.
وهذا لا نظير له، إذ لا يجُوزُ أن يُنتهك اسمٌ معربٌ بالحذفِ حتَّى يبقى على حرفٍ واحدٍ، إذا عرف هذا؛ فيجُوزُ أن يكون قصر « ماء »، وإنَّما لم يُنونهُ إجراء للوصل مجرى الوقف، ثم هذه الألفُ تحتملُ أن تكون عين الكلمة، وأنَّ الهمزة محذوفةٌ، وهذه األفُ بدلٌ من الواوِ التي في « مَوَهَ » في الأصل، ويجوزُ أن تكون المبدلة من التَّنوين، وأجرى الوصل مُجْرَى الوقف، والأوَّلُ أوْلَى، لأنَّهم يُرَاعُونَ في الوقف ألاَّ يتركُوا الموقوف عليه على حرفٍ واحدٍ نحو :« مُرٍ » اسم فاعل من : أرَى يُري.

فصل


رُوي أنَّهم حَفَرُوا موضعاً في الرَّملِ، فصار كالحوض الكبير، واجتمع فيه الماء حتَّى شربُوا منه وتطهروا وتزودوا.
وقيل : إنَّهم لمَّا عطشوا ولم يجدوا الماء ثمَّ نامُوا واحتلمُوا تضاعفت حاجتهم إلى الماء ثم إنَّ المطر نزل وزالت عنهم تلك البليّة والمِحْنَة.


الصفحة التالية
Icon