قال شهابُ الدِّين : يجوزُ أن يكون نَحَا الزمخشريُّ نحو الكوفيين؛ فإنَّهم يجرونهم مجرى الفعل مطلقاً، ولذلك يُعْمِلُونه متأخراً نحو ﴿ كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٤ ].
وقال أبُو البقاء :« ويجوز أن يكون في موضع نصب، أي ذُوقُوا ذلكم، ويجعل الفعلُ الذي بعده مُفَسِّراً له، والأحسن أن يكون التقدير : بَاشِرُوا ذلكم فذوقوه، لتكون الفاءُ عاطفةً »
قدَّر الفعل ير وافقٍ لما بعده لفظاً مع إمكانه، وأيضاً فقد جعل الفاء عاطفةً لا زائدةً وقد تقدَّم تحقيقُ الكلام في هذه الفاء عند قوله :﴿ وَإِيَّايَ فارهبون ﴾ [ البقرة : ٤٠ ].
قوله ﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار ﴾ الجمهورُ على فتح « أنَّ » وفيها تخريجات أحدها : أنها، وما في حيَّزها في محل رفع على الابتداء، والخبرُ محذوفٌ تقديره : حَتْمٌ استقرارُعذاب النار للكافرين.
الثاني : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : الحتم، أو الواجب أنَّ للكافرين عذاب النَّارِ.
الثالث : أن تكون عطفاً على :« ذَلِكُمْ » في وجهيه قاله الزمخشريُّ. ويعني بقوله « في وجهيه » أي : وجهي الرفع وقد تقدَّما.
الرابع : أن تكون في محلِّ نصب على المعيَّة.
قال الزمخشريُّ :« أو نصب على أنَّ الواوَ بمعنى » مع « والمعنى : ذُوقُوا هذا العذابَ العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة، فوضع الظاهرَ موضع المضمر » : يعني بقوله :« وضع الظَّاهر موضع المضمر » أنَّ أصل الكلام فذوقوه وأنَّ لكم فوضع « لِلْكافِرينَ » موضع « لَكُمْ » شهادةً عليهم بالكفر ومنبهةً على العلّة.
الخامس : أن يكون في محل نصب بإضمار « واعلموا ».
قال الفراءُ : يجوزُ نصبه من وجهين :
أحدهما : على إسقاط الباء، أي : بأنَّ للكافرين.
والثانيك على إضمارِ « اعلموا » ؛ قال الشاعر :[ الرجز ]
٢٦٨٥ - تَسْمَعُ للأخشَاءِ عنه لغطاً | وللْيَديْنِ جُسْأةَ وبَدَدَا |
وأنكره الزجاج أشدَّ إنكارٍ.
وقال : لو جاز هذا لجاز : زيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً، أي : وترى عمراً منطلقاً ولا يُجيزه أحدٌ.
ونبَّه بقول « فَذُوقُوه » وهو ما عجل من القتل والأسر على أنَّ ذلك يسير بالإضافة إلى عذاب القيامة فلذلك سمَّاه ذوقاً لأن الذوق لا يكون إلاَّ لتعرف الطعم، فقوله :« فَذُوقُوهُ » يدلَّ على أنَّ الذوق يكون في إدراك غير المطعوم كقوله ﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم ﴾ [ الدخان : ٤٩ ].