قوله تعالى :﴿ يَآأَيُّهَا الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ زَحْفاً ﴾ الآية.
في « زَحْفاً » وجهان :
أحدهما : أنه منصوبٌ على المصدر، وذلك النّاصب له في محلِّ نصب على الحال، والتقديرُ : إذا لقيتُمُ الذين كَفَرُوا زَاحِفينَ زَحْفاً أو يَزْحَفُونَ زحفاً.
والثاني : أنه منصوبٌ على الحال بنفسه، ثُمَّ اختلفوا في صاحب الحال، فقيل : الفاعلُ أي وأنتم زَحْفٌ من الزُّحوفِ، أي : جماعة، أو وأنتم تمشون إليهم قليلاً قليلاً، على حسب ما يُفَسَّر به الزَّحْف، وسيأتي.
وقيل : هو المفعول، أي : وَهُمْ جَمٌّ كثير، أو يمشون إليكم.
وقيل : هي حالٌ منهما، أي : لقيتموهم مُتزاحفين بعضكم إلى بعض، والزَّحْفُ الدُّنو قليلاً قليلاً، يقال : زَحَفَ يَزْحَفُ إليه بالفتح فيها فهو زَاحفٌ زَحْفاً، وكذلك تَزَحَّفَ وتَزَاحَفَ وأزْحَفَ لنا عَدُوُّنَا، أي : دَنَوا لقتالنا.
وقال اللَّيْثُ : الزَّحْفُ : الجماعةُ يمشون إلى عدوِّهم؛ قال الأعشى :[ الكامل ]
٢٦٨٦ - لِمَنْ الظَّعَائنُ سَيْرُهُنَّ تَزَحُّفُ | مِثْلَ السَّفينِ إذَا تَقَاذَفُ تَجْدِفُ |
٢٦٨٧ - فَزَحْفاً أتَيْتُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ | فَثَوْباً لَبِسْتُ وثَوْباً أجُرّ |
٢٦٨٨ - كَأنَّ مَزاحِفَ الحَيَّاتِ فِيهِ | قُبَيْلَ الصُّبْحِ آثَارُ السِّيَاطِ |
قوله :﴿ فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار ﴾ مفعول :« تولُّوهم » الثَّاني هو « الأدْبار »، وكذا « دُبُره » مفعول ثان ل :« يُولِّهِمْ » وقرأ الحسن : بالسُّكونِ كقولهم : عُنْق في عُنُق، وهذا من باب التَّعريض حيث ذكر لهم حالةً تُسْتَهْجَنُ من فاعلها؛ فأتى بلفظ الدُّبُر دُونَ الظَّهر لذلك، وبعضهم من أهل علم البيان سمَّى هذا النوع كنايةً، وليس بشيء.
قوله :« إلاَّ مُتَحرفاً » في نصبه وجهان :
أحدهما : أنَّهُ حال.
والثاني : أنه استثناء وقد أوضح ذلك الزمخشري.
فقال :« فإن قلت : بِمَ انتصبَ :» إلاَّ مُتَحرِّفاً « ؟ قلتُ : على الحالِ و » إلاَّ « لغوٌ، أو على الاستثناءِ من المُولِّين : أي ومنْ يُولِّهم إلا رجلاً منهم مُتَحرفاً أو مُتَحيزاً ».
قال أبُو حيان :« لا يردُ بقوله » إلاَّ « لغوٌ أنَّها زائدةٌ، إنَّما يريد أنَّ العامل وهو » يُولِّهِمْ « وصل لِمَا بعدها كقولهم في » لا « من قولهم : جئت بلا زاد - إنَّها لغوٌ. وفي الحقيقة هي استثناءٌ من حال محذوف والتقدير : ومَنْ يُولِّهِم ملتبساً بأية حال إلاَّ من حال كذا، وإن لم تُقدَّرُ حالٌ محذوفة لم يَصِحَّ دخولُ » إلاَّ « لأن الشَّرط عندهم واجبٌ، والواجبُ حكمُهُ ألاَّ تدخل » إلاَّ « فيه لا في المفعول، ولا في غيره من الفضلات، لأنه استثناء مُفرغ، والمفرَّغ لا يكون في الواجب، إنَّما يكون مع النفي أو النهي أو المؤول بهما، فإن جاء ما ظاهرُه خلافُ ذلك يُؤوَّل ».