فاللائمةُ ترجع عليها، لأنَّهَا هي الجارحةِ العُظْمَى، فيُسْنَدُ إليها ما لم تُباشِرهُ، كقوله :﴿ ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [ الحج : ١٠ ] وكثيرٌ من الذُّنُوب لمْ تُقدّمهُ اليد «.
الوجه الثاني : أنَّ النَّدَمَ حدثٌ يَحْصُلُ في القلب، وأثرُهُ يَظْهَرُ في اليد؛ لأنَّ النَّادِمَ بَعَضُّ يدَهُ، ويضربُ إحْدَى يديْه على الأخرى كقوله :﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾ [ الكهف : ٤٢ ] فتَقْلِيبُ الكفِّ عبارةٌ عن النَّدم، وكقوله :﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ ﴾ [ الفرقان : ٣٧ ] فلمَّا كان أثرُ النَّدم يحصُل في اليدِ مِن الوجهِ الذي ذَكَرْنَاه أضيف سقوطُ النَّدم إلى اليَدِ؛ لأنَّ الذي يَظْهَرُ للعُيُونِ من فِعْلِ النَّادم هو تَقْلِيبُ الكفِّ وعضُّ الأنامل واليدِ كَمَا أنَّ السُّرُور معنى في القلب يسْتَشْعره الإناسنُ، والذي يظهرُ منه حالة الاهتزاز والحركةِ والضَّحك وما يَجْرِي مجراه.
وقال الزمخشريُّ :» ولمَّا سُقِطَ في أيديهمْ « أي ولمَّا اشتدَّ ندمهم؛ لأنَّ مِنْ شأن من اشتدَّ ندمُهُ وحَسْرَتُهُ أن يَعَضَّ يدهُ غماً، فتصير يده مَسْقُوطاً فيها، لأنَّ فاه قد وقع فيها.
وقيل : مِنْ عادةِ النَّادمِ أن يُطَأطِىءَ رَأسَهُ، ويضع ذقنه على يده معتمداً عليها، ويصيرُ على هيئةٍ لو نُزِعت يده لسقط على وجهه، فكأنَّ اليدَ مَسْقُوطٌ فيها. ومعنى » في « » على «، فمعنى » في أيديهم « كقوله :﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل ﴾ [ طه : ٧١ ].
وقيل : هو مَأخُوذٌ من السَّقاط، وهو كثرةُ الخَطَأ، والخَاطِىءُ يَنْدَمُ على فعلهِ.
قال ابنُ أبي كاهل :[ الرمل ]
وقيل : هو مأخوذٌ من السَّقيط، وهو ما يُغَشِّي الأرض من الجَليدِ يُشْبِه الثَّلْج.٢٥٧٧ - كَيْفَ يَرْجُونَ سِقَاطِي بَعْدَمَا لَفَّعَ الرَّأسَ بياضٌ وصَلَعْ
يقال منه : سَقَطَت الأرْضُ كما يُقَال : ثلجت، والسَّقْطُ والسَّقِيطُ يذُوبُ بأدْنَى حرارةٍ ولا يبقى. ومنْ وقع في يده السَّقِيط لمْ يَحْصُل من بغيته على طائلٍ. واعْلَمْ أنَّ » سُقِطَ في يده « عدَّهُ بعضُهم في الأفعال الَّتِي لا تتصرَّف ك » نِعْمَ وبِئْسَ «.
وقرأ ابْنُ السَّمَيْفَع سقط في أيديهم مبنياً للفاعل وفاعلُه مَضْمَرٌ، أي : سَقَطَ النَّدمُ هذا قولُ الزَّجَّاجِ.
وقال الزمخشريُّ :» سَقَطَ العَضُّ «.
وقال ابنُ عطيّة :» سَقَطَ الخسران، والخيبة «. وكل هذه أمثلةٌ.
وقرأ ابنُ أي عبلة : أسْقِط رباعياً مبنياً للمعفول، وقد تقدَّم أنَّها لغةٌ نقلها الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ.
فصل
قوله : ورَأوْا أنَّهُمْ هذه قلبيَّة، ولا حاجةَ في هذا إلى تقديم وتأخير، كما زعم بعضهم.
قال القاضِي : يجبُ أن يكون المؤخَّرُ مقدماً؛ لأنَّ النَّدَمَ والتَّحسّر إنَّما يقعانِ بعد المعرفة فكأنه تعالى قال : ولما رأوا أنهم قد ضلّوا سقط في أيديهم لما نالهُم من عظيم الحسْرَةِ.