قوله :﴿ وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق ﴾.
نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدَّارِ.
قال ابنُ عباسٍ : لمَّا قصَّ رسولُ الله ﷺ شأن القرون الماضية قال النَّضْرُ : لو شئت لقلتُ مثل هذا إن هذا إلا ما سطر الأوَّلُونَ في كتبهم.
فقال له عثمانُ بن مظعون : اتق الله فإن محمداً يقول الحقَّ، قال : وأنا أقول الحق.
قال عثمان : فإنَّ محمداً يقول : لا إله إلاَّ الله، قال : وأنا أقول : لا إله إلا الله ولكن هذه بنات الله، يعني : الأصنام.
ثم قال :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا ﴾ الذي يقوله محمد « هُو الحقَّ من عندكَ ».
فإن قيل : في الآية إشكال من وجهين :
أحدهما : أن قوله ﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق ﴾ الآية. حكاهُ الله عن كلام الكُفَّار، وهو من جنس نظم القرآن، فقد حصلت المعارضة في هذا وحكي عنهم في سورة الإسراء قولهم :﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً ﴾ [ الإسراء : ٩٠ ] الآيات، وهذا أيضاً كلامُ الكُفَّار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرن، فدلَّ على حصول المعارضة.
الوجه الثاني : أنَّ كفار قريش كانُوا معترفين بوجود الإله، وقدرته، وكانوا قد سمعوا التَّهديد الكثير من محمد ﷺ في نزول العذاب، فلو كان القرآن معجزاً لعرفوا كونه معجزاً، لأنهم أرباب الفصاحةِ والبلاغةِ، ولو عرفوا ذلك لكان أقلّ الأحوال أن يَشُكُّوا في نبوَّة محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام -، ولو كانُوا كذلك لما أقدموا على قولهم :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء ﴾ ؛ لأن الشَّاك لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة وحيث أتوا بهذه المبالغة علمنا أنَّه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة.
فالجواب عن الأول : أنَّ الإتيان بهذا القدر من الكلامِ لا يكفي في حصول المعارضة؛ لأنَّ هذا القدر كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة والبلاغة.
والجوابُ عن الثَّانِي : هَبْ أنَّه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجزاً إلاَّ أنَّهُ لما كان معجزاً في نفسه، فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا فإنه لا يتفاوت الحال.
قوله « هُو الحقَّ » العامَّةُ على نصب « الحقَّ » وهو خبر الكون، و « هُوَ » فصل، وقد تقدَّم الكلام عليه.
وقال الأخفشُ :« هو » زائد، ومرادُه ما تقدَّم من كونه فصلاً.
وقرأ الأعمش، وزيدُ بن علي : برفع « الحقَّ » ووجهها ظاهرٌ، برفع « هُوَ » بالابتداء و « الحق » خبره، والجملةُ خبرُ الكونِ؛ كقوله :[ الطويل ]
٢٦٩٩ - تَحِنُّ إلَى لَيْلَى وأنْتَ تَركْتَهَا | وكُنْتَ عليْهَا بالمَلا أنْتَ أقْدَرُ |