وهي لغةُ تميم. وقال ابن عطية : ويجوز في العربية رفع « الحقّ » على خبر « هو » والجملة خبر ل « كان ».
قال الزَّجَّاجُ « ولا أعلم أحداً قرأ بهذا الجائز »، وقد ظهر من قَرأَ به وهما رجلان جليلان.
قوله :« مِنْ عندِكَ » حال من معنى « الحَقّ » : أي : الثَّابت حال كونه من عندك.
وقوله « مِنَ السَّماءِ » فيه وجهان :
أحدهما : أنَّهُ متعلقٌٌ بالفعل قبله.
والثاني : أنه صفة ل « حِجَارةً » فيتعلقُ بمحذوفٍ.
وقوله :« مِنَ السَّماءِ » مع أنَّ المطر لا يكون إلاَّ منها، قال الزمخشريُّ :« كأنه أراد أن يقال : فأمطرْ علينا السِّجِّيلَ، فوضع حجارة من السماء موضع السِّجِّيل كما يقالك صب عليه مسرودةً من حديد، تريدُ درعاً ».
قال أبو حيان :« إنَّهُ يريد بذلك التَّأكيد » قال :« كَمَا أنَّ قوله :» من حديد « معناه التأكيد؛ لأنَّ المسرودَ لا يكون إلاَّ من حديدٍ، كما أنَّ الأمطارَ لا تكونُ إلاَّ من السَّماءِ ».
وقال ابنُ عطيَّة :« قولهم » مِنَ السَّماءِ « مبالغة وإغراق ».
قال أبو حيَّان :« والذي يظهر أنَّ حكمة قولهم :» مِنَ السَّماءِ « هي مقابلتُهم مجيءَ الأمطارِ من الجهة التي ذكر ﷺ أنه يأتيه الوحي من جهتها، أي : إنَّك تذكر أن الوحي يأتيك من السَّماءِ، فأتِنَا بالعذاب من الجهة التَّي يأتيك الوحي منها، قالوه استبعاداً له ».

فصل


قال عطاءٌ :« لقد نزل في النضر بن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر ».
قال سعيدُ بنُ جبيرٍ « قتل رسولُ الله ﷺ يوم بدرٍ ثلاثةً من قريشٍ صبراً طعيمة بن عدي، وعقبة بن أبي معيطٍ، والنَّضْر بن الحارث ». وروى أنس أن الذي قال هذا الكلام أبُو جُهْلٍ.
قوله :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ اللاَّم في « ليُعَذِّبهُمْ » قد تقدَّم أنها لامُ الجحود، والجمهورُ على كسرها، وقرأ أبُو السَّمَّال : بفتحها.
قال ابن عطية عن أبي زيد :« سمعت من العرب من يقول » ليُعَذِّبهُمْ « بفتح اللاَّم، وهي لغةٌ غيرُ معروفةٍ ولا مستعملةٍ في القرآن ». يعني في المشهور منه، ولمْ يَعْتَدَّ بقراءة أبي السمال، وروى ابن مجاهد عن أبي زيد فَتْحَ كلِِّ لامٍ عن بعض العربِ إلاَّ في ﴿ الحمد للَّهِ ﴾ [ الفاتحة : ٢ ] وروى عبد الوارث عن أبي عمرو : فتح لام الأمر من قوله :﴿ فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ ﴾ [ عبس : ٢٤ ]، وأتى بخبر « كان » الأولى على خلاف ما أتى به في الثانية فإنَّه إمَّا أن يكون محذوفاً، وهو الإرادة كما يقدِّره البصريون أي : ما كان الله مُريداً لتعذيبهم وانتفاءُ إرادة العذاب أبلغُ من نفي العذاب، وإمَّا أنه أكَّدَهُ باللاَّم على رأي الكوفيين لأنَّ كينونته فيهم أبلغُ من استغفارهمن فشتَّان بين وجودِه عليه الصَّلاة والسَّلام، وبين استغفارهم.


الصفحة التالية
Icon