وقوله « وأنتَ فيهِمْ » حال، وكذلك « وهُمْ يَسْتَغفرُونَ ».
والظَّاهر أنَّ الضمائرَ كلَّها عائدةٌ على الكفار.
وقيل : الضمير في « يُعذِّبَهُمْ » و « مُعَذِّبَهُمْ » للكفَّارِ، والضمير من قوله « وهُمْ » للمؤمنين.
وقال الزمخشريُّ :« وهُمْ يَسْتَغفرُونَ » في موضع الحال، ومعناه : نفيُ الاستغفار عنهم أي : ولو كانوا ممَّن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذَّبهم، كقوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [ هود : ١١٧ ] ولكنهم لا يستغفرون، ولا يؤمنون ولا يتوقَّع ذلك منهم. وهذا المعنى الذي ذكره منقولٌ عن قتادة، وأبي زيد، واختاره ابنُ جريرٍ.
فصل
قال أبُو العباس المقرىءُ : ورد لفظ « في » في القرآن بإزاء ستَّةِ أوجه :
الأول : بمعنى « مع » كهذه الآية، وقوله تعالى :﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين ﴾ [ النمل : ١٩ ] أي : مع عبادك، ومثله :﴿ فادخلي فِي عِبَادِي ﴾ [ الفجر : ٢٩ ].
الثاني : بمعنى « على ». قال تعالى ﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل ﴾ [ طه : ٧١ ] أي : على جذوع النخل، ومثله :﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ﴾ [ الطور : ٣٨ ]. أي : عليه.
الثالث : بمعنى « إلى » قال تعالى ﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ﴾ [ النساء : ٩٧ ] أي : أليها.
الرابع : بمعنى « عن » قال تعالى :﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى ﴾ [ الإسراء : ٧٢ ] أي : عن هذه الآيات.
الخامس : بمعنى « من » قال تعالى :﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ﴾ [ النحل : ٨٩ ] أي : مِنْ كل أمة « شَهِيداً ».
السادس : بمعنى « عند » قال تعالى ﴿ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هذا ﴾ [ هود : ٦٢ ].
فصل
اختلفوا في معنى هذه الآيةِ : فقال محمدُ بنُ إسحاق : هذا حكايةٌ عن المشركين، وهذه الآية متصلة بالآية التي قبلها، وذلك أنَّهُم كانوا يقولون إنَّ الله لا يعذبنا ونحن نستغفره، ولا يعذب الله أمة ونبيها معها، فقال الله لنبيه ﷺ يُذكِّره جهالتهم وغرتهم قال :﴿ وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] الآية وقال ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] ثم قال ردّاً عليهم ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله ﴾ وإن كنت بين اظهرهم، وإن كانوا يستغفرون ﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام ﴾.
وقال آخرون : هذا الكلام مستأنف يقول الله إخباراً عن نفسه :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾ واختلفوا في تأويلها.
فقال الضحاكُ، وجماعة : تأويلها : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مُقيم بين أظهرهم، قالوا : نزلت هذه الآية على النبيَّ ﷺ وهو مقيم بمكَّةَ ثمَّ خرج من بين أظهرهم وبقيت به بقيَّة من المسلمين يستغفرون الله؛ فأنزل اللَّهُ ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ ثم خرج أولئك من بينهم فعُذِّبوا وأذن اللَّهُ في فتح مكَّة، وهو العذاب الأليم الذي وعدهم اللَّهُ «.