﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال ﴾ [ الأنفال : ١ ] لمَّا نزلت في يوم بدر، وهو يوم الفرقان فرق اللَّهِ فيه بين الحقِّ والباطل، وهو يوم التقى الجمعان، حزب الله وحزب الشيطان، وكان يوم الجمعة سبع عشر مضت من رمضان.
وقوله « ومَا أنزلْنَا » عطفٌ على الجلالة، فهي مجرورةُ المحلِّ، وعائدُها محذوف، وزعم بعضهم أنَّ جواب الشَّرطِ متقدم عليه، وهو قوله ف ﴿ نِعْمَ المولى ﴾ [ الأنفال : ٤٠ ]. وهذا لا يجوز على قواعد البصريين.
قوله :« يَوْمَ الفُرقِانِ » يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أن يكُون منصوباً ب « أنزَلْنَا » أي : أنزلْنَاهُ في يوم بدر، الذي فُرِقَ فيه بين الحق والباطل.
الثاني : أن ينتصبَ بقوله « آمنتُم » أي : إن كنتم آمنتم في يوم الفرقانِ، ذكره أبُو البقاءِ.
الثالث : يجوزُ أن يكون منصوباً ب « غَنِمْتُم ».
قال الزَّجَّاجُ : أي : ما غنمتم في يومِ الفرقان فحكمه كذا وكذا.
قال ابن عطية :« وهذا تأويلٌ حسنٌ في المعنى، ويعترضه أنَّ فيه الفصل بين الظرف وما يعمل فيه بهذه الجملةِ الكثيرةِ الألفاظِ »، وهو ممنوعٌ أيضاً من جهةٍ أخرى أخصّ من هذه. وذلك أنَّ « ما » إمَّا شرطية، كما هو رأي الفرَّاءِ، وإمَّا موصولة، فعلى الأوَّل يُؤدِّي إلى الفصل بين فعل الشَّرط، ومعموله بجملة الجزاء، ومتعلَّقاتها، وعلى الثَّاني يُؤدِّي إلى الفصلِ بين فعل الصلة ومعموله بخبر « أنَّ ».
قوله ﴿ يَوْمَ التقى الجمعان ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنَّهُ بدل من الظرف قبله.
والثاني : أنه منصوب ب « الفرقان » ؛ لأنَّه مصدرٌ، فكأنه قيل : يوم فرق فيه في يوم التقى الجمعان أي : الفرق في يوم التقاء الجمعين.
وقرأ زيد بن علي :« عَلَى عُبُدنَا » بضمتين، وهو جمع « عَبْد » وهذا كما قد قرىء ﴿ وَعَبَدَ الطاغوت ﴾ [ المائدة : ٦٠ ]، والمراد بالعُبُد في هذه القراءة هنا رسولُ الله ﷺ ومن معه من المؤمنين، والمراد ب « مَا أنزلْنَا » أي : الآيات والملائكة، والفتح في ذلك اليوم. ﴿ والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي : يقدر على نصركم وأنتم قليلون.
قوله « إذْ أنتُم » في هذا الظَّرف أربعةُ أوجهٍ :
أحدها : أنَّهُ منصوبٌ ب « اذكُرُوا » مُقدراً، وهو قول الزَّجَّاجِ.
الثاني : أنَّهُ بدلٌ من « يَوْمَ الفرقانِ » أيضاً.
الثالث : أنه منصوب ب « قديرٌ » وهذا ليس بواضحٍ؛ إذ لا يتقيَّ اتِّصافه بالقدرة بظرفٍ من الظُّروف.
الرابع : أنه منصوبٌ ب « الفُرْقَانِ » أي : فرق بين الحقِّ والباطل إذْ أنتم بالعُدَّوَةِ.
قوله :« بالعُدْوَةِ » متعلقٌ بمحذوف؛ لأنَّهُ خبر المبتدأ، والباء بمعنى : طفي كقولك : زيد بمكة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو « بالعِدْوَةِ » بكسر العينِ فيهما، والباقون بالضم فيهما وهما لغتان في شطِّ الوادي وشفيره وضِفَّته، كالكُسْوة والكِسْوة، والرُّشوة والرِّشوة، سُمِّيت بذلك لأنَّها عدتْ ما في الوادي من ماءٍ ونحوه أن يتجاوزها، أي : منعته؛ قال الشَّاعرُ :[ الوافر ]