الرابع : أنَّهُ متعلِّق ب « يَقْضِي » ذكره أبُو البقاءِ رحمه الله تعالى.
وقرأ الأعمشُ وعصمة عن أبي بكر عن عاصم « لِيَهْلَكَ » بفتح اللاَّم، وقياسُ ما مضى هذا « هَلِكَ » بالكسر، والمشهور إنما هو الفتح، قال تعالى :﴿ إِن امرؤ هَلَكَ ﴾ [ النساء : ١٧٦ ] ﴿ حتى إِذَا هَلَكَ ﴾ [ غافر : ٣٤ ].
قوله « مَنْ حَيَّ » قرأ نافعٌ وأبو بكر عن عاصم، والبزيُّ عن ابن كثير بالإظهار والباقون بالإدغام، والإظهارُ والإدغام في هذا النَّوْعِ لغتان مشهورتان، وهو كُلُّ ما آخرُه ياءان من الماضي أولاهما مكسورة؛ نحو :« حَيِيَ، وعَيِيَ »، ومن الإدغام قول المتلمِّس :[ الطويل ]

٢٧١٥ - فَهَذَا أوانُ العِرضْ حَيَّ ذُبابُه ..........................
وقال الآخرُ :[ مجزوء الكامل ]
٢٧١٦ - عَيُّوا بأمْرِهِمْ كَمَا عَيَّتْ ببَيْضَتِهَا الحَمامَهْ
فأدغم « عَيُّوا »، وينُشدُ « عَيَّتْ، وعَييَتْ » بالإظهارِ والإدغام، فمن أظهر؛ فلأنه الأصلُ ولأن الإدغامَ يُؤدِّي إلى تضعيف حرفِ العلَّةِ، وهو ثقيلٌ في ذاته؛ ولأن الياء الأولى يتعينَّ فيها الإظهارُ في بعض الصُّورِ، وذلك في مضارع هذا الفعل؛ لانقلاب الثَّانية ألفاً في يَحْيَا، ويَعْيَا، فحمل الماضي عليه طرداً للباب؛ ولأنَّ الحركةَ في الثَّانية عارضةٌ؛ لزوالها في نحو : حَيِيتُ، وبابه؛ ولأنَّ الحركتين مختلفتان؛ واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين.
قالوا وكذلك : لَحِحَت عينه وضببَ المكان، وألِلَ السِّقَاءُ، ومشِشَتْ الدَّابة.
قال سيبويه :« أخبرنا بهذه اللُّغةِ يونسُ » يعني بلغة الإظهار.
قال :« قد سمعت بعض العرب يقولُ : أحْيِيا، وأحْيِيَة، فيظهر ». وإذا لم يدغم مع لزوم الحركةِ فمع عروضها أوْلضى، ومنْ أدغم فلاستثقال ظهور الكسرةِ في حرف يُجانسه؛ ولأنَّ الحركة الثانية لازمةٌ لأنَّهَا حركةُ بناء، ولا يضُرُّ زوالها في نحو :« حَيِيْتُ »، كما لا يَضُرُّ ذلك فيما يجب إدغامُه من الصحيح، نحو : حَلَلْتُ وظَللْتُ، وهذا كلَّه فيما كانت حركتُه حركة بناءٍ، ولذلك قُيِّد به الماضي.
أمَّا إذا كانت حركة إعراب فالإظهارُ فقط، نحو : لن يُحْيِي ولن يُعْيِيَ.

فصل


قوله « عَن بيِّنَةٍ » متعلق ب « يَهْلِكَ » و « يَحْيَا »، والهلاكُ، والحياةُ عبارةُ عن الإيمان والكفرِ، والمعنى : ليصدرَ كُفْرُ من كفر عن وضوحٍ وبيان، لا عن مُخالطةِ شبهة، وليصدر إسلامُ من أسلم عن وضوحٍ لا عن مُخالطة شبهة.
معنى الآية :« إذْ أنتُمْ » أي : اذكرُوا يا معشر المسلمين :﴿ إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدنيا ﴾ أي : بشفير الوادي الأدنى من المدينة، والدُّنْيَا : تأنيثُ الأدْنَى، « وهُم » يعني : المشركين. « بالعُدُوَةِ القُصْوَى » بشفير الوادي الأقصى من المدينة ممَّا يلي جانب مكَّة، وكان الماءُ في العدوة التي نزل بها المشركون، فكان استظهارهم من هذا الوجه أشد، « والرَّكْبُ » العير التي خرجوا إليها :« أسْفَلَ مِنكُمْ » أي : في موضع أسفل إلى ساحل البحر على ثلاثة أميال من بدر.


الصفحة التالية
Icon