« مَا رُئيِ الشيطانُ يوماً هُو فيه أصغرُ، ولا أدحرُ، ولا أحقَرُ، ولا أغْيَظُ مِنْهُ في يَوْمِ عرفةَ، وما ذاكَ إلاَّ لِمَا رَأى من تنزُّلِ الرَّحْمَة وتجاوزُ الله عن الذُّنُوبِ العظام، إلاَّ ما كان من يَوْمِ بدرٍ »
فقيل : وَمَا رأى يَوْمَ بدرٍ؟ قال :« أما إنَّهُ رَأى جبريلَ وهُوَ يَنْزعُ المَلائِكَة »، حديث مرسل.
قوله تعالى :﴿ إِذْ يَقُولُ المنافقون ﴾ العامل في « إذْ » إمَّا « زيَّن »، وإمَّا « نَكَصَ » وإما « شديدُ العقاب » وإما « اذكروا ».
قال ابنُ الخطيب :« وإنما لم تدخل الواو في قوله » إذْ يقُولُ « ودخلت في قوله » وإذْ زَيَّن « ؛ لأنَّ قوله :» وإذْ زيَّن « عطف التزين على حالهم وخروجهم بطراً ورئاء النَّاس.
وأما قوله ﴿ إِذْ يَقُولُ المنافقون ﴾ فليس فيه عطف على ما قبله، بل هو ابتداء كلام منقطع عما قبله ».
فصل
المنافقون : قوم الأوس والخزرجِ، وأمَّا الذين في قلوبهم مرض فهم قوم من قريش أسلموا وما قوي إسلامهم، وكانوا بمكَّة مستضعفين، قد أسلموا وحبسهم أقرباؤهم عن الهجرة فلما خرجت قريش إلى بدرٍ أخرجوهم كُرْهاً، فلمَّا نظروا إلى قلّة المسلمين ارتابوا وارتدوا، وقالوا ﴿ غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ ﴾. و ﴿ غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ ﴾ منصوب المحل بالقول.
قال ابن عباس - رضي الله عنه - :« معناه أنه خرج بثلاث مائة وثلاثة عشر يقاتلون ألف رجل » وقيل المرادُ : إن هؤلاء يسعون في قتل أنفسهم، رجاء أن يجعلوا أحياء بعد الموتِ، ويثابون على هذا القَتْلِ. فقالوا : غرَّ هؤلاء دينهم. فقتلوا جميعاً، منهم : قيسُ بنُ الوليد بن المغيرة، وأبُو قيس بنُ الفاكه بن المغيرة المخزميان، والحارثُ بن زمعة بن الأسود بن المطلب، وعلي بنُ أميّة بن خلف الجمحيُّ، والعاصي بن منبه بن الحجَّاج.
ثم قال :﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله ﴾ أي : يسلم أمره إلى اللَّه، ويثقُ به، فإنَّ اللَّهَ حافظه وناصره؛ لأنَّهُ عزي لا يغلبه شيء، حكيم يوصل العذاب إلى أعدائه، والرحمة والثواب إلى أوليائه.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملاائكة ﴾ الآية.
لمَّا شرح أحوال الكُفَّار، شرح أحوال موتهم، والعذاب الذي يصل إليهم.
قرأ ابن عامر والأعرج « تَتَوفَّى » بتاء التأنيث، لتأنيث الجماعة، والباقون بياء الغيبة وفيها تخريجان، أظهرهما - لموافقة قراءة من تقدَّم - : أنَّ الفاعل هم الملائكة، وإنما ذُكِّرَ للفصل؛ ولأنَّ التأنيث مجازي.
والثاني : أنَّ الفاعل ضمير الله تعالى : لتقدم ذكره و « الملائكةُ » مبتدأ، و « يَضْرِبُونَ » خبره، وفي هذه الجملةِ حينئذٍ وجهان :
أحدهما : أنَّها حالٌ من المفعول.
والثاني : أنَّها استئنافيةٌ، جواباً لسؤالٍ مقدر، وعلى هذا فيوقف على « الَّذين كَفَرُوا » بخلاف الوجهين قبله.