﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ ﴾ [ النور : ٥٧ ] كذلك، خلا حفصاً، والباقون بتاء الخطابِ، وفي قراءة الغيبة تخريجاتٌ كثيرة سبق نظائرها في أواخر آل عمران، ولا بدَّ من التنبيه هنا على ما تقدَّم، فمنها، أنَّ الفعل مسندٌ إلى ضميرٍ يُفسِّره السياق، تقديره : ولا يحسبنَّ هو أي : قبيل المؤمنين، أو الرسول، أو حاسب.
أو يكون الضمر عائداً على :« مَنْ خَلفهُمْ ».
وعلى هذه الأقوالِ، فيجوزُ أن يكون « الذينَ كفرُوا » مفعولاً أول و « سَبَقُوا » جملة في محل نصب مفعولاً ثانياً.
وقيل : الفعلُ مسندٌ إلى « الذينَ كفرُوا » ثم اختلف هؤلاء في المفعولين، فقال قوم : الأول محذوفٌ تقديره : ولا يَحْسبنَّهم الذين كفروا سبقوا، ف « هَم » مفعول أول، و « سَبَقُوا » في محل الثاني : أو يكون التقدير : لا يحسبنَّ الذين كفروا أنفسهم سبقُوا. وهو في المعنى كالذي قبله.
وقال قومٌ : بل « أنْ » الموصولة محذوفة، وهي وما في حيَّزها سادةٌ مسدَّ المفعولين، والتقدير : ولا سحبن الذين كفروا أن سبقُوا، فحذفت « أنْ » الموصولة وبقيت صلتها، كقوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ﴾ [ الروم : ٢٤ ] وقوله :﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ ﴾ [ الزمر : ٦٤ ].
قاله الزجاج : والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقونا، وحذف « أن » الموصولة في القرآن، وفي كلام العرب كثير، فأمَّا القرآن فكالآيات، ومن كلام العربِ : تسمعُ بالمعيديِّ خيرٌ من أن تراه؛ وقوله :[ الطويل ]
٢٧٢٤ - ألاَ أيُّهذا الزَّاجِرِي أحضرُ الوغَى | ............................. |
وقال قومٌ : بل « سَبَقُوا » في محلِّ نصب على الحال، والسادُّ مسدَّ المفعولين :﴿ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾، وتكون « لا » مزيدةً ليصح المعنى.
قال الزمشخري - بعد ذكره هذه الأوجه - « وليست هذه القراءةُ التي تفرَّد بها حمزةُ بنيِّرة » وقد ردَّ عليه جماعةٌ هذا القول، وقالوا : لم ينفرد بها حمزةُ، بل وافقه عليها من قُرَّاء السبعة ابنُ عامر أسنُّ القراءة وأعلاهُم إسناداً، وعاصمُ في رواية حفص ثم هي قراءة أبي جعفر المدني شيخ نافع، وأبي عبد الرحمن السلمي، وابن محيصن وعيسى، والأعمش، والحسن البصرين، وأبي رجاء، وطلحة، وابن أبي ليلى. وقد ردَّ عليه أبو حيان أيضاً أنَّ « لا يحْسبَنَّ » واقع على « أنهم لا يُعْجِزون » وتكون « لا » صلة، بأنَّهُ لا يتأتَّى على قراءة حمزة، فإنَّهُ يقرأ بكسر الهمزة، يعني فكيف تلتئم قراءةُ حمزة على هذا التخريج.
قال شهابُ الدِّين :« هو لم يلتزم التخريج على قراءة حمزة في الموضعين، أعني :» لا يَحْسبنَّ « وقوله :» أنهم لا يعجزون «، حتى نلزمه ما ذكر » وأما قراءةُ الخطاب فواضحةٌ، أي : لا تحسبنَّ يا محمدُ، أو يا سامعُ، و « الذين كفرُوا » مفعول أول، والثاني :« سبقوا »، وقد تقدَّم في آل عمران وجهُ أنه يجوز أن يكون الفاعل الموصول، وإنَّما أتى بتاءِ التأنيث، لأنه بمعنى « القوم »، كقوله :