وما روي أنَّ امرأة جعلت بعيراً في سبيل اللَّهِ، فأرادَ زوجُها الحجَّ، فسألت رسول الله ﷺ فقال :« ادفعيه إليه ليحج عليه فإن الحجَّ فريضةٌ من اللَّهِ » ؛ ولأنَّهُ مال ينتفع به في وجه قربة، فجاز أن يوقف كالرباع.
ثم إنه تعالى ذكر ما لأجله أمر بإعداد هذه الأشياء. فقال :﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ ﴾ ؛ لأنَّ الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد، مستعدين له بجميع الأسلحة والآلات هابوهم.
قوله « تُرْهِبُونَ » يجوزُ أن يكون حالاً من فاعل :« أعِدُّوا »، أي : حَصِّلُوا لهم هذا حال كونكم مُرْهِبين، وأن يكُون حالاً من مفعوله، وهو الموصولُ، أي : أعِدُّوه مُرْهَباً بِهِ.
وجاز نسبته لكلٍّ منهما؛ لأنَّ في الجملة ضميريها، هذا إذا أعدنا الضمير من « بِهِ » على « ما » الموصولة، أمَّا إذا أعَدْنَاه على الإعِدادِ المدلُولِ عليه ب « أعِدُّوا »، أو على « الرِّباط »، أو على :« القُوَّةِ » بتأويل الحول؛ فلا يتأتَّى مجيئُها من الموصول، ويجوز أن يكون حالاً من ضمير « لَهُمْ »، كذا نقله أبو حيَّان عن غيره، فقال :« تُرْهبون » قالوا : حال من ضمير في « لَهُمْ » ولا رابط بينهما؟ ولا يصحُّ تقدير ضمير في جملة « تُرهبون » لأخذه معموله. وقرأ الحسنُ ويعقوبُ، ورواها ابن عقيل عن أبي عمرو :« تُرَهَّبُون » مضعَّفاً عدَّاه بالتضعيف، كما عدَّاه العامَّةُ بالهمزةِ، والمفعول الثَّاني على كلتا القراءتين محذوف؛ لأنَّ الفعل قبل النَّفْلِ بالهمزة، أو بالتَّضعيف متعدٍّ لواحد، نحو :« رَهَّبْتُك » والتقدير : تُرهِّبون عدوَّ اللَّه قتالكم، أو لقاءكم.
وزعم أبو حاتم أنَّ أبا عمرو نقل قراءة الحسن بياء الغيبة وتخفيف « يُرْهبن »، وهي قراءة واضحة، فإنَّ الضمير حينئذٍ يرجع إلى من يرجع إليهم ضمير « لَهُمْ »، فإنَّهُم إذا خافوا خَوَّفُوا من وراءهم.
قوله « عَدُوَّ اللَّهِ » العامَّة قراءوا بالإضافة، وقرأ السلميُّ منوناً، و « لِلَّه » بلام الجرِّ، وهو مفرد، والمراد به الجنس، فمعناه : أعداء لله.
قال صاحبُ اللَّوامح « وإنما جعله نكرةً بمعنى العامَّة؛ لأنَّها نكرةٌ أيضاً لم تتعرَّف بالإضافة إلى المعرفة؛ لأنَّ اسم الفاعل بمعنى الحالِ، أو الاستقبال، ولا يتعرَّف ذلك وإن أضيف إلى المعارف، وأمَّا » وعَدُوَّكُمْ « فيجوزُ أن يكون كذلك نكرة، ويجوز أن يتعرَّف لأنه قد أُعيد ذكره، ومثله : رأيت صاحباً لكم، فقال لي صاحبكم » يعني : أن « عَدُوّاً » يجوز أن يُلمحَ فيه الوصفُ فلا يتعرَّف، وألاَّ يلمح فيتعرف.
قوله « وآخَرِينَ » نسق على « عَدُوَّ اللَّهِ »، و « مِن دُونِهِمْ » صفة ل « آخرينَ ».