قال ابن عطيَّة :« مِن دُونِهم » بمنزلة قولك : دون أن تكون هؤلاء، ف « دون » في كلام العرب، و « مِنْ دُونِ » تقتضي عدم المذكور بعدها من النَّازلة التي فيها القول؛ ومنه المثل :[ الكامل ]

٢٧٣٠-...................... وأمِرَّ دُونَ عُبَيْدةَ الوَذَمْ
يعني : أنَّ الظَّرفية هنا مجازية، لأنَّ « دون » لا بد أن تكون ظرفاً حقيقة، أو مجازاً.
قوله ﴿ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ ﴾ في هذه الآية قولان :
أحدهما : أنَّ « علم » هنا متعدِّيةٌ لواحدٍ؛ لأنها بمعنى « عرف »، ولذلك تعدَّت لواحد.
والثاني : أنَّها على بابها، فتتعدى لاثنين، والثاني محذوفٌ، أي : لا تعلمونهم فازعين، أو محاربين.
ولا بُدَّ هنا من التَّنبيه على شيءٍ، وهو أنَّ هذين القولين لا يجوز أن يكونا في قوله « اللَّهُ يَعْلمُهُم » بل يجب أن يقال : إنَّها المتعدية إلى اثنين، وأنَّ ثانيهما محذوف، لما تقدَّم من الفرق بين العِلْم والمعرفة. منها : أنَّ المعرفة تستدعي سَبْقَ جهل، ومنها : أن متعلقها الذوات دون النسب، وقد نصَّ العلماءُ على أنهُ لا يجوزُ أن يطلق ذلك - أعني الوصف بالمعرفةِ - على اللَّهِ تعالى.

فصل


قوله تعالى :﴿ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ﴾.
قال الحسن وابن زيد :« هم المُنافقون ». « لا تعلمُونَهم » ؛ لأنهم معكم يقولون : لا إله إلا الله وقال مجاهدٌ ومقاتل :« هم بنُو قريظة » وقال السديُّ :« هم أهل فارس ».
وروي ابنُ جريجٍ عن سلمان بن موسى قال : هم كُفَّارُ الجِن، لما روي « أن النبي ﷺ قرأ :﴿ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ﴾ فقال : إنَّهم الجنُّ، ثم قال :» إنَّ الشَّيطانَ لا يُخَبِّل أحداً في دار فيها فرس حبيس « وعن الحسنِ : أنه قال :» صهيلُ الفرس يرهب الجن «
وقيل : المرادُ العدو من المسلمين، فكما أنَّ المسلم يعاديه الكافر، فقد يعاديه المسلم أيضاً.
ثم قال تعالى :﴿ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله ﴾ فهذا عام في الجهادِ وفي سائر وجوه الخيرات :»
يُوفَّ إليْكُم «.
قال ابنُ عبَّاسٍ :»
يُوفَّ لكُم أجره « أي : لا يضيع في الآخرة أجره؛ ﴿ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ أي : لا تنقصون من الثَّواب. ولما ذكر ابن عباس هذا التفسير تلا قوه تعالى ﴿ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ مِّنْهُ شَيْئاً ﴾ [ الكهف : ٣٣ ].
قوله تعالى :﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن ما يهرب به العدو من القوة، بيَّن بعده أنَّهم عند هذا الإرهاب إذا مالوا إلى المصالحة، فالحكمُ قبولُ المصالحِة، والجنوحُ : المَيْلُ، وجَنَحَتِ الإبلُ : أمالت أعناقها؛ قال ذو الرُّمَّةِ :[ الطويل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
٢٧٣١ - إذَا مَاتَ فوقَ الرَّحْلِ أحْيَيْتِ رُوحَهُ بِذكْراكِ والعِيسُ المَراسِيلُ جُنَّحُ