وعلى هذا يكون « اللَّهُ » فاعلاً، وعلى هذا التقدير يجوز في « ومَنْ » أن يكون معطوفاً على الكاف، لأنَّها مفعول باسم الفعل، لا مجرورٌ، لأنَّ اسم الفعل لا يُضاف.
ثم قال أبو حيان :« إلاَّ أنَّ مذهب الزجاج خطأٌ، لدخول العوامل على » حَسْب « نحو : بِحَسْبك درهم، وقال تعالى :﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله ﴾، ولم يثبت في موضع كونه اسم فعل، فيحمل هذا عليه ».
وقال ابنُ عطية - بعدما حكى عن الشعبي، وابن زيد ما تقدَّم عنهما من المعنى - : ف « مَنْ » في هذا التأويل في محلِّ نصب، عطفاً على موضع الكاف؛ لأنَّ موضعها نصبٌ على المعنى ب :« يَكْفِيكَ » الذي سَدَّتْ « حسبك » مَسَدَّه.
قال أبو حيان « هذا ليس بجيد؛ لأنَّ » حَسْبك « ليس ممَّا تكونُ الكافُ فيه في موضع نصب، بل هذه إضافة صحيحة ليست من نصب، و » حَسْبك « مبتدأ مضافٌ إلى الضمير وليس مصدراً، ولا اسم فاعل، إلاَّ إن قيل : إنَّه عطف على التوهم كأنه توهَّم أنه قيل : يكفيك الله، أو كفاك الله، لكن العطف على التوهُّم لا ينقاسُ ».
والذي ينبغي أن يحمل عليه كلامُ الشعبي وابن زيد أن تكون « مَنْ » مجرورة ب « حَسْب » محذوفة، لدلالة « حَسْبك » عليها؛ كقوله :[ المتقارب ]

٢٧٣٦ - أكُلَّ امرىءٍ تَححسَبينَ امْرَأً ونارٍ توقَّدُ باللَّيْلِ نَارَا
أي : وكلَّ نار، فلا يكُونُ من العطفِ على الضمير المجرور.
قال ابن عطيَّة :« وهذا الوجهُ من حذفِ المضاف مكروه بأنه ضرورةٌ ».
قال أبو حيان :« وليس بمكروهٍ، ولا ضرورة بل أجازه سيبويه، وخرَّج عليه البيت وغيره من الكلام ».
قال شهابُ الدين :« قوله :» بل هذه إضافةٌ صحيحة، ليست من نصب « فيه نظر؛ لنَّ النَّحويين على أنَّ إضافة » حَسْب « وأخواتها إضافةٌ غيرُ محضة، وعلَّلُوا ذلك بأنها في قوة اسم فاعل ناصبٍ لمفعولٍ به، فإنَّ » حَسْبكَ « بمعنى : كافيك، و » غيرك « بمعنى مُغايرك، و » قيد الأوابد « بمعنى : مُقيدها.
قالوا : ويدلُّ على ذلك أنَّها تُوصفُ بها النَّكرات، فيقال : مررت برجلٍ حسبك من رجلٍ »
.
وجوَّز أبو البقاء : الرفع من ثلاثة أوجهٍ : أنَّهُ نسقٌ على الجلالةِ كما تقدَّم، إلاَّ أنَّهُ قال : فيكون خبراً آخر، كقولك : القائمان زيد وعمرو، ولم يُثَنِّ « حَسْبك » ؛ لأنه مصدرٌ.
وقال قومٌ : هذا ضعيفٌ؛ لأن الواو للجمع، ولا يَحْسُن ههنا، كما لا يَحْسُن في قولهم :« مَا شَاء اللَّهُ وشِئْتَ »، « ثم » هاهنا أولى.


الصفحة التالية
Icon