﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [ إبراهيم : ٧ ].
قوله تعالى :﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً ﴾. قوله : في الألْوَاحِ يجوز أن تكون لتعريف الماهيَّةِ، وأن تكون للعهد؛ لأنَّهُ يروى في القصَّة أنَّهُ هو الذي قطَّعَهَا وشقَّقَهَا.
وقال ابنُ عطيَّة أل عوض من الضمير، تقديره : في ألواحه، وهذا كقوله :﴿ فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى ﴾ [ النازعات : ٤١ ] أي : مأواه. أمَّا كاون أل عوضاً من الضَّمير فلا يعرفه البصريون. وأمَّا قوله :﴿ فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى ﴾ فإنَّا نحتاجُ فيه إلى رابطٍ يَرْبِطُ بين الاسم والخبر، والكوفيون : يجعلون أل عوضاً من الضمير. والبصريون : يُقَدِّرُونَهُ، أي : هي المأوى له، وأما في هذه الية فلا ضرورة تدعو إلى ذلك.
وفي مفعول « كتبنا » ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها : أنَّهُ « موعِظَةً »، أي : كتبنا له مَوْعِظَةٌ وتفْصِيلاً. و ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ على هذا فيه وجهان، أحدهما : متعلِّقٌ ب « كَتَبْنَا » والثاني : أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوف؛ لأنَّهُ في الأصلِ صفةٌ ل « مَوْعِظَةً » فلمَّا قُدِّم عليها نُصِبَ حالاً، و « لِكُلِّ شيءٍ » صفة ل « تفصيلاً ».
والثاني : أنَّهُ ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءً ﴾.
قال الزمخشريُّ ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ في محل نصب مفعول « كَتَبْنَا »، و « مَوعِظَةً وتفْصِيلاً » بدل منه، والمعنى : كَتَبْنَا له كُلَّ شيءٍ كان بنو إسرائيل يَحْتَاجُونَ إليه في دينهم من المواعظِ، وتفصيل الأحكامِ وتفصل الحلالِ والحرامِ.
الثالث : أنَّ المفعول محل المجرور.
وقال أبُو حيَّان - بعد ما حكى الوجه الأول عن الحوفي والثَّاني عن الزمخشري - : ويُحْتَمَلُ عندي وجهٌ ثالثٌ، وهو أن يكونَ مفعولُ « كَتَبْنَا » موضع المجرور، كما تقولُ :« أكلت من الرغيف » و « مِنْ » للتبعيض، أي : كتبنا له أشياء من كُلِّ شيء، وانتصب « مَوْعظَةً وتَفْصِيلاً » على المفعول من أجله، أي : كتبنا له تلك الأشياءَ للاتِّعاظِ وللتفصيل.
قال شهابُ الدِّينِ :« والظَّاهِرُ أنَّ هذا الوجه هو الذي أراده الزَّمخشري، فليس وجهاً ثالثاً ».
قوله :« بِقُوَّةٍ » حالٌ : إمَّا من الفاعل، أي : ملتبساً بقوة، وإمَّا من المفعول، أي : ملتبسه بقوة، أَي : بقوَّةِ دلائلها وبراهينها، والأول أوضح. والجملةُ من قوله :« فَخُذْهَا » يُحتمل أن تكون بدلاً من قوله ﴿ فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ ﴾ وعاد الضَّميرُ علىمعنى « ما » لا على لفظها. ويحتمل أن تكونَ منصوبة بقول مضمر، ذلك القولُ منسوقٌ على جملة « كَتَبْنَا » والتقدرُ : وكتبنا فقلنا : خُذْهَا، والضَّميرُ على هذا عائدٌ على الألواحِ أو على التَّوراةِ، أو على الرِّسالاتِ، أو على كُلِّ شيءٍ؛ لأنَّهُ في معنى الأشياء.
قال القرطبيُّ :« فكأنَّ اللَّوحَ تلوح فيه المعاني. ويقال : رجل عظيم الألواح إذا كان كبيرَ عظم اليدين، » والرِّجليْنِ «.


الصفحة التالية
Icon