قوله :« وَآمَنُوا » يجوزُ أن تكونَ الواوُ للعطفِ، فإن قيل : التَّوبة بعد الإيمان، فكيف جاءت قبله؟ فيقال الواو لا تُرتِّبُ، ويجز أن تكون الواوُ للحال، أي : تَابُوا، وقد آمنوا ﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
قوله :« وَلَمَّا سَكَتَ » السُّكُوتَ والسُّكَاتُ قطعُ الكلامِ، وهو هنا استعارةٌ بديعة.
قال الزمخشريُّ : هذا مثلٌ كأنَ الغضبُّ كان يُغْريهِ على ما فعل ويقول له : قل لقومك كذا، وألْقِ الألواحَ وخُذْ برأس أخيك إليك، فترك النُّطق بذلك، وترك الإغراء به، ولم يستحسن هذه الكلمة، ولمْ يَسْتفصِحْهَا كلُّ ذي طبع سليم وذوق صحيح إلاَّ لذلك، ولأنَّهُ من قبيل شُعَب البلاغة، وإلاَّ فما لقراءة معاوية بن قرة : ولمَّا سَكَنَ بالنُّونِ، لا تجدُ النَّفس عندها شيئاً من تلك الهمزة وطرفاً من تلك الرَّوعة؟
وقيل : شَبَّه جمود الغذب بانقطاع كلام المُتكلِّم.
قال يونسُ :« [ سال ] الوادي ثم سكت فهذا أيضاً استعارةٌ ».
وقال الزَّجَّاجُ : مصدر : سَكَتَ الغَضَبُ : السكتةُ، ومصدر : سَكَتَ الرَّجلُ : السُّكُوتُ « وهو يقتضي أن يكون » سكت الغضبُ « فعلاً على حدته.
وقيل : هذا من باب القلب، والأصلُ : ولما سكت موسى عن الغضب، نحو : أدْخَلْتُ القَلَنْسُوةَ في رَأسِي، أي : أدخلت رأسي في القلنسوة.
قاله عكرمةُ : وهذا ينبغي أن لا يجوز لعدم الاحتياج إليه، مع ما في القلب من الخلافِ المُتقدِّم.
وقيل المُرادُ بالسُّكوت : السُّكون والزَّوال، وعلى هذا جاز سَكَتَ عن مُوسَى الغَضَبُ ولا يجوزُ صمت؛ لأن سَكَتَ بمعنى سكن، وأما صَمَتَ بمعنى سدَّ فاه عن الكلام، فلا يجوزُ في الغضب.
فصل
ظاهرُ الآية ثدلُّ على أنَّه - ﷺ - لمَّا عرف أن أخاه هارون لم يقع منه تقصير وأظهر له صحة عذرة، فحينئذ سكن غضبهُ، وهو الوقت الذي قال فيه :﴿ رَبِّ اغفر لِي وَلأَخِي ﴾.
وقوله :» أخَذَ الألوَاحَ « ظاهر هذا يدلُّ على أن شيئاً منها لم ينكسر، ولم يرفع منها ستة أسباعها كما نقل عن بعضهم.
وقوله :﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى ﴾ هذه الجملة في محلِّ نصب على الحال من الألوَاح، أو من ضمير مُوسَى والأوَّلُ أحسنُ. وهذا عبارةٌ عن النَّقْلِ والتَّحويل فإذا كتب كتاب عن كتاب حرف بعد حرف قلبت نُسخَةُ ذلك الكتاب، كأنَّك نقلت ما في الأصل إلى الكتاب الثاني.
قال ابنُ عبَّاسٍ : لمَّا ألقَى موسى الألواح فتكسّرت صام أربعين يوماً، فأعَادَ اللَّهُ الألواح وفيها نفس ما في الألواح، فعلى هذا قوله » وفِي نُسْخَتِهَا « أي :» وفيما نسخ منها « وإن قلنا : الألواح لم تنكسر، وأخذها موسى بأعيانها؛ فلا شك أنَّها مكتوبة من اللَّوح المحفوظ فهي نسخ على هذا التقدير.
وقوله :» هُدىً ورَحْمَةٌ « أي : هدى من الضلالة، ورحمة من العذاب.