وفي هذا العطف الإشكال الذي ذكره أبو حيان في صدر الآية عند قوله ﴿ وَأَذَانٌ مِّنَ الله ﴾.

فصل


اختلفوا في يوم الحجِّ الأكبر، فقال ابن عباس في رواية عكرمة « إنَّه يومُ عرفةَ » وهو قول عُمر، وسعيد بن المسيب، وابن الزبير، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وإحدى الروايتين عن علي، ورواية المسور بن مخرمة عن رسول الله ﷺ، قال : خطب رسول الله ﷺ عشيَّة عرفة، فقال :« أمَّا بعدُ فإنَّ هذا يوم الحج الأكبر » لأنَّ معظم أفعال الحج فيه، وروي أنَّ النبي ﷺ وقف يوم النَّحر عند الجمرات، وقال :« هذا يومُ الحج الأكبر » وقال ﷺ « الحج عرفةُ » ولأنَّ أعظم أعمال الحج الوقوف بعرفة؛ لأ، َّ من أدركه، فقد أدرك الحجَّ، ومن فاته فقد فاته الحجُّ.
وقال ابنُ عبَّاسٍ في رواية عطاء يوم الحج الأكبر : يوم النحر، وهو قول النخعيّ، والشعبيّ، والسديّ، وإحدى الروايتين عن عليٍّ، وقول المغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير.
وروى ابن جريج عن مجاهد أنه قال : يوم الحجِّ الأكبر أيَّام منى كلها، وهو مذهب سفيان الثَّوريّ، وكان يقول : يوم الحجِّ الأكبر : أيامه كلها، كما يقال : يوم صفين، ويوم الجمل، ويراد به الحين والزمان.
وأما تسيمته بيوم الحج الأكبر، فإن قلنا : إنَّه يوم عرفة؛ فلأنه أعظم واجباته، ومن فاته الحجُّ، وكذلك إن قلنا : إنَّه يوم النحر، لأن معظم أفعال الحج يفعل فيه، وقال الحسنُ : سُمِّيَ بذلك لاجتماعِ المسلمين والمشركين فيه، وموافقته لأعياد أهل الكتاب، ولم يتفق ذلك قبله ولا بعده، فعظم ذلك اليوم في قلب كل مؤمنٍ وكافر، وطعن الأصم في هذا الوجه وقال : عيدُ الكفَّارِ فيه سخط. وهذا الطَّعن ضعيفٌ؛ لأنَّ المرادَ أنَّ ذلك اليوم استعظمه جميع الطوائف، فلذلك وصف بالأكبر.
وقيل سُمِّي بذلك؛ لأن المسلمين والمشركين حَجُّوا في تلك السَّنة، وقيل : الأكبرُ الوقوف بعرفة والأصغر النَّحر، قاله مجاهدٌ، ونقل عن مجاهدٍ : الأكبر القرانُ، والأصغر الإفراد، فإن قيل : قوله :﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ مِّنَ المشركين ﴾ وقوله ﴿ أَنَّ الله برياء مِّنَ المشركين وَرَسُولُهُ ﴾ لا فرق بينهما، فما فائدة هذا التكرار؟
فالجواب من وجوه :
الأولُ : أنَّ المقصودَ من الأوَّلِ البراءة من العهد، ومن الثاني : البراءة التي هي نقيض الموالاة، ويدلُّ على هذا الفرقِ في البراءة الأولى برىء إليهم، وفي الثانية برئ منهم.
الثاني : أنَّهُ تعالى في الكلام الأوَّل، أظهر البراءة عن المشركين الذين عاهدوا ونقضوا العهد، وفي هذه الآية أظهر البراءة عن المشركين من غير أن وصفهم بوصف معيّن، تنبيهاً على أنَّ الموجب لهذه البراءة كفرهم وشركهم.


الصفحة التالية
Icon