﴿ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ﴾ أي : لا عهود لهم. ثم قال :﴿ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ﴾ وهو متعلق بقوله :﴿ فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر ﴾ أي : ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعد ما وجد منهم من العظائم أن تكون المقاتلة سبباً في انتهائهم عن الكفر.
قوله تعالى :﴿ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نكثوا أَيْمَانَهُمْ ﴾ لما قال ﴿ فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر ﴾ أتبعه بذكر السبب الباعث على مقاتلتهم، فقال ﴿ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نكثوا أَيْمَانَهُمْ ﴾ نقضُوا عهودهم، وهم الذين نقضوا عهد الصُّلح بالحديبية وأعانوا بني بكر على خزاعة، ﴿ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول ﴾ من مكة حين اجتمعُوا في دار النَّدوة. وقيل : المراد من المدينة، لما أقدموا عليه من المشورة والاجتماع على قصده بالقتل، وقيل : بل همُّوا على إخراجه من حيثُ أقدموا على ما يدعوه إلى الخروج، وهو نقيضُ العهدِ، وإعانة أعدائه، فأضيف الإخراج إليهم توسعاً لما وقع منهم من الأمور الدَّاعية إليه.
وقوله :﴿ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول ﴾ إمَّا بالفعل، وإمَّا بالعزم عليه، وإن لمْ يُوجَدْ ذلك الفعل بتمامه، واعلم أنَّه ذكر ثلاثة أشايء، كل واحد منها يوجب مقاتلتهم إذا انفرد، فكيف إذا اجتمعت؟
أحدها : نكثهم العهد.
والثاني : أنهم همُّوا بإخراج الرسول، وهذا من أوكد موجبات القتال.
والثالث : قوله ﴿ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ يعني : بالقتال يوم بدر؛ لأنَّهم حين سلم العير، قالوا : لا ننصرف حتى نستأصل محمداً ومن معه.
وقال ناسٌ من المفسِّرين : أراد أنَّهُم بدأوا بقتال خزاعة حلفاء رسول الله ﷺ. وقال الحسنُ : لا يجوز أن يكون المراد منه ذلك؛ لأنَّ سورة براءة نزلت بعد فتح مكَّة.
وقوله :« أَوَّلَ مرَّةٍ » نصبٌ على ظرف الزَّمانِ، وأصلها المصدر من « مَرَّ يَمُرُّ، كما تقدم [ الأنعام : ٩٤ ].
قوله :﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ ﴾ الجلالةُ مبتدأ، وفي الخبر أوجهٌ :
أحدها : أنَّهُ »
أحَقُّ «، و » أن تخْشَوْهُ « على هذا بدل من الجلالة بدل اشتمال، والمفضَّلُ عليه محذوفٌ، والتقدير : فخشية اللهِ أحَقُّ مِنْ خَشيتهم.
الثاني : أَنَّ »
أَحَقُّ « خبر مقدم، و » أَن تَخْشَوهُ « مبتدأ مؤخر، والجملةُ خبرُ الجلالة.
الثالث : أنَّ »
أَحَقُّ « مبتدأ، و » أن تَخْشَوهُ « خبره، والجملةُ أيضاً خبر الجلالة، قاله ابن عطية، وحسن الابتداء بالنكرة، لأنها أفعل تفضيل، وقد أجاز سيبويه أن تكون المعرفةُ خبراً للنكرة في نحو : اقصد رجلاً خيرٌ منه أبوه.
الرابع : أنَّ »
أن تخشوه « في محلِّ نصب، أو جرٍّ، بعد إسقاطِ الخافضِ، إذ التقدير : أحقُّ بأن تخشوه، وقوله :﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ ﴾ شرطٌ حذف جوابه، أو قُدِّم على حسب الخلاف [ الأنفال : ١ ].

فصل


هذا الكلامُ يقوي داعية القتال من وجوه :
الأول : أنَّ تقرير الموجبات القويَّة، وتفصيلها ممَّا يُقَوِّي هذه الداعية.


الصفحة التالية
Icon