الثاني : أنَّك إذا قلت للرجل : أتخشى خصمك؛ فكأنك تحرضه على القتال، أي : لا تخف منه.
والثالث : قوله ﴿ فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ ﴾ أي : إن كنت تَخْشَى أحَداً فالله أحقُّ أن تخشاه، لكونه في غاية القدرة، فالضَّررُ المتوقع منهم غايته القتل، وأمَّا المتوقع من اللهِ فالعقابُ الشديد في القيامة، والذم اللازم في الدُّنيا.
والرابع : قوله :﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ ﴾ أي : إن كنتم موقنين بالإيمان، وجب عليكم القتال، أي : إنكم إن لم تقدموا على القتال، وجب أن لا تكونوا مؤمنين.
فصل
حكى الواحديُّ عن أهل المعاني أنهم قالوا :« إذا قلت : ألا تفعل كذا، فإنَّما يستعمل ذلك في فعل مقدر وجوده، وإذا قلت : ألست تفعل، فإنَّما تقول ذلك في فعل تحقَّق وجوده، والفرقُ بينهما أنَّ » لا « ينفى بها المستقبل، فإذا أدخلت عليها الألف كان تحضيضاً على فعل ما يستقبل، و » ليس « إنما تستعمل لنفي الحال، فإذا أدخلت عليها الألف صار لتحقيق الحال ».
فصل
نقل عن ابن عباس أنه قال قوله :﴿ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً ﴾ ترغيب في فتح مكَّة وقوله :﴿ قَوْماً نكثوا أَيْمَانَهُمْ ﴾ أي : عهدهم، يعني قريشاً حين أعانوا بني الديل بن بكر على خزاعة، كما تقدم.
وقال الحسنُ « لا يجوزُ أن يكون المرادُ منه ذلك؛ لأنَّ سورة براءة نزلت بعد فتح مكَّة ».
فصل
قال الأصم « دلَّت الآية على أنَّهم كرهوا هذا القتال، لقوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ] فأمنهم الله تعالى بهذه الآيات ». قال القاضي « إنه تعالى قد يحث على فعل الواجب من لا يكون كارهاً له، ولا مُقصراً فيه، فإن أراد أن مثل هذا التحريض على الجهاد لا يقع إلاَّ وهناك كره للقتال، لا يصح أيضاً، لأنَّهُ يجوز أن يحث تعالى بهذا الجنس على الجهاد، لكي لا يحصل الكره الذي لولا هذا التحريض كان يقع ».
فصل
قال القرطبيُّ « استدلُّوا بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدِّين، إذ هو كافر، والطعنُ هو أن ينسب إليه ما لا يليقُ به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدِّين، لما ثبت بالدليل القطعي على صحَّة أصوله، واستقامة فروعه » قال ابنُ المنذر :« أجمع عامَّةُ أهل العلم على أنَّ من سبَّ النبي ﷺ يقتل ». قال القرطبيُّ :« وأمَّا الذِّمي إذا طعن في الدِّين انتقض عهده في المشهور من مذهب مالك، لقوله تعالى :﴿ وَإِن نكثوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٣ ] الآية، فأمر بقتلهم وقتالهم، وهو مذهب الشَّافعي وقال أبو حنيفة : يستتابُ، وإنَّ مجرَّد الطَّعن لا ينقض به العهد إلاَّ مع وجود النَّكث ».