قوله تعالى :﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج ﴾ الآية.
الجمهور على قراءة « سِقايةَ »، و « عِمارةَ » مصدرين على « فِعالةٍ »، ك : الضِّيافة، والوِقاية والتِّجارة، ولم تقلب الياء همزة، لتَحصُّنها بتاء التأنيث، بخلاف « رِدَاءة، وعِباءة »، لطروء تاء التأنيث فيهما، قاله الزمخشريُّ. واعلم أنَّ : السِّقاية فعلٌ، وقوله ﴿ مَنْ آمَنَ بالله ﴾ [ التوبة : ١٨ ] إشارة إلى الفاعل، فظاهر اللفظ يقتضي تشبيه الفعل بالفاعل، والصفة بالموصوف، وإنّه محالن وحينئذ فلا بُدَّ من حذف مضاف، إمَّا من الأول، وإمَّا من الثَّاني، ليتصادق المجعولان، والتقدير : أجعلتم أهل سقايةِ الحاجِّ، وعِمارة المسجد الحرام كمَنْ آمَنَ، أو أجعلتم السقاية والعِمارة كإيمان مَنْ آمَنَ، أو كعملِ من آمَنَ، ونظيره :﴿ لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق والمغرب ولكن البر مَنْ آمَنَ بالله ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ]، وقيل : السٌِّاية والعمارة يعني : السَّاقي والعامر، وهذا كقوله :﴿ والعاقبة للتقوى ﴾ [ طه : ١٣٢ ]، أي : للمتقين، والمعنى : أجعلتم ساقي الحاج وعامر المسجد الحرام ك ﴿ كَمَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر ﴾. ويدلُّ عليه قراءة أبي وابن الزبير والباقين كما يأتي قريباً.
وقرأ ابنُ الزُّبير، والباقر، وأبو وجزة « سُقَاة... وعمرة » بضمِّ السين، وبعد الألف تاء التأنيث، و « عَمَرة » بفتح العين والميم دون ألف، وهما جمع « ساقٍ »، و « عامر »، كما يقال : قاضٍ وقُضاة، ورَام ورُمَاة، وبارٌّ وبَرَرة، وفاجِر وفَجَرة.
والأصل : سُقَيَة، فقُلبت الياء ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولا حاجة هنا إلى تقدير حذف مضافٍ، وإن احتيج إليه في قراءة الجمهور.
وقرأ سعيد بن جبير كذلك، إلاَّ أنه نصب « المسجِد الحرَام » ب « عَمَرَة »، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين؛ كقوله :[ المتقارب ]
٢٧٧١-........................... | ولا ذَاكِرَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً |
فصل
روى النُّعْمانُ بنُ بشيرٍ قال : كُنْتُ عِنْدَ منبَرِ رسُولِ الله ﷺ فقال رجلٌ : لا أُبَالِي ألاَّ أعملَ عملاً بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر : ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل ممَّا قلتم، فزَجرهُمْ عمرُ وقال : لا تَرفعُوا أصوَاتكُم عندَ مِنبرِ رسُول الله ﷺ وهُو يَوْمُ الجُمعةِ - ولكنْ إذا صَلَّيتُ دخلتُ واستَفْتيْتُ رسول الله ﷺ فيمَا اختَلَفْتُم فيه، فدخل، فأنزلَ الله عزَّ وجلَّ هذه الآية إلى قوله :﴿ والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين ﴾.