وقرأ الجمهور « عَشيرَتُكُمْ » بالإفراد، وأبو بكر عن عاصم « عَشِيراتكم » جمع سلام. [ ووجه الجمع أنَّ لكلِّ من المخاطبين عشيرة، فحسن الجمع، وزعم الأخفشُ أنَّ « عشيرة » لا تجمع بالألف والتاء، وإنَّما تكسيراً على « عشائر »، وهذه القراءة حجةٌ عليه، وهي قراءة أبي عبد الرحمن السلمي وأبي رجاء.
وقرأ الحسن « عَشائرُكُم » قيل : وهي أكثر مِنْ « عشيراتكم » ].
و « العَشِيرةُ » : هي : الأهلُ الأدنون. وقيل : هم أهلُ الرَّجُلِ الذين يتكثَّر بهم، أي : يصيرون له بمنزلةِ العدد الكامل، وذلك أنَّ العشيرة هي العددُ الكاملُ، فصارت العشيرةُ اسماً لأقارب الرَّجُلِ الذين يتكثَّر بهم، سواءً بلغوا العشرة أم فوقها.
وقيل : هي الجماعةُ المجتمعة بنسبٍ، أو وداد، لعقد العشرة.

فصل


هذه الآية هي تقريرُ الجواب المذكور في الآية الأولى، وذلك لأنَّ جماعة المؤمنين، قالوا : يا رسُول الله كيف يمكن البراءة منهم بالكليَّة؟ وهذه الآية توجب انقطاعنا عن آبائنا وإخواننا وعشيرتنا، وإن نحن فعلنا ذلك، ذهبت تجارتنا، وهلكت أموالنا، وخربت ديارنا، فأنزل الله تعالى :﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقترفتموها وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ ﴾ أي : تَسْتوطنُونَها راضين بسكناها ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ ﴾ فانتظروا ﴿ حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ ﴾. قال عطاءٌ :« بقضائه ».
وقال مجاهدٌ ومقاتلٌ :« بفتح مكَّة ».
وهذا أمر تهديد، فبيَّن تعالى أنَّه يجب تحمل جميع هذه المضارّ في الدُّنيا، ليبقى الدِّين سليماً. ثم قال ﴿ والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين ﴾ أي : الخارجين عن الطاعةِ، وهذه الآية تدلُّ على أنَّه إذا وقع التَّعارضُ بين مصلحةٍ واحدة من مصالح الدِّين، وبين مهمات الدُّنيا؛ وجب ترجيح الدِّين على الدنيا.


الصفحة التالية
Icon