قال قتادةُ : وذكر لنا أنَّ الطُّلقاء انجفلوا يومئذ بالنَّاسِ.
قوله :« وَيَوْمَ حُنَيْنٍ » فيه أوجه :
أحدهما : أنَّهُ عطفٌ على محلِّ قوله :« فِي مَوَاطِنَ » عطف ظرف الزمان من غير واسطة « في » على ظرف المكان المجرور بها، ولا غرو في نسق ظرف زمان على مكان، أو العكس، تقول : سرت أمامك ويوم الجمعة، إلاَّ أنَّ الأحسن أن يُتركَ العاطفُ في مثله.
الثاني : زعم ابنُ عطية : أنَّه يجوز أن يُعطف على لفظ « مَواطِنَ » بقتدير :« وفِي يَوْمِ »، فحذف حرف الخفض، وهذا لا حاجة إليه.
الثالث : قال الزمخشريُّ :« فإن قلت : كيف عطف الزمان على المكان، وهو » يَوْمَ حُنينٍ « على » مَواطِنَ « ؟.
قلت : معناه : وموطن يوم حنين، أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين ».
الرابع : أن يُراد ب « المواطِن » : الأوقاتُ، فحينئذٍ إنَّما عطف زمانٌ على زمان.
قال الزمخشريُّ - بعدما تقدَّم عنه - :« ويجوزُ أن يُراد ب » المواطن « : الوقت، ك : مقتل الحسين، على أنَّ الواجب أن يكون :» يَوْمَ حُنينٍ « منصوباً بفعل مضمر، لا بهذا الظَّاهر، ومُوجِبُ ذلك أنَّ قوله :» إِذْ أَعجَبَتْكُمْ « بدلٌ من » يَوْمَ حُنَينٍ «، فلو جعلتَ ناصبَه هذا الظاهر، لم يصحَّ؛ لأنَّ كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن، ولم يكونوا كثيرين في جميعها، فبقي أن يكون ناصبُه فعلاً خاصاً به ».
قال شهابُ الدِّين :« لا أدري ما حمله على تقدير أحد المضافين، وعلى تأويل » المواطن « بالوقت، ليصحَّ عطفُ زمانٍ على زمان، أو مكان على مكان، إذ يصحُّ عطفُ أحدُ الظرفين على الآخر؟ وأمَّا قوله :» على أنَّ الواجب أن يكون « إلى آخره؛ كلامٌ حسنٌ، وتقريره أنَّ الفعل مُقيدٌ بظرف المكان، فإذا جعلنا » إذْ « بدلاً من » يَوْم « كان معمولاً له؛ لأنَّ البدل يَحُلُّ محلَّ المُبْدل منه؛ فيلزم منه أنه نصرهم إذ أعجبتهم كثرتُهم في مواطن كثيرة، والفرض أنَّهم في بعض هذه المواطن لم يكونوا بهذه الصفة، إلاَّ أنَّه قد ينقدح، فإنَّه - تعالى - لم يقل في جميع الموطن، حتَّى يلزم ما قاله ».
ويمكن أن يكون أراد بالكثرةِ : الجميع، كما يُراد بالقلة العدمُ.
قوله :« بِمَا رَحُبَتْ » « ما » مصدريةٌ، أي : رَحْبُها وسعتها.