قال مجاهدٌ « نزلت حين أمر رسول الله ﷺ بقتال الرُّوم، فغزا بعدها غزوة تبوك » وقال الكلبيُّ « نزلت في قريظة والنَّضير من اليهودِ، فصالحهم، فكانت أول جزية أصابها أهل الإسلام، وأول ذلّ أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين ».
فإن قيل : أهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الآخر، فكيف أمر بقتالهم؟.
فالجوابُ : لا يؤمنون كإيمان المؤمنين؛ فإنَّهم إذا قالوا : عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، لا يكون ذلك إيماناً باللهِ.
قوله :﴿ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ ﴾ أي : لا يُحرِّمُون ما حرَّم الله في القرآن، وبينه الرسول، وقال أبو زيدٍ : لا يعملون بما في التوراة والإنجيل، بل حرفوهما وأتوا بأحكام كثيرة من قبل أنفسهم.
قوله ﴿ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق ﴾ أي : لا يدينون الدِّين الحق، أضاف الاسم إلى الصَّفةِ وقال قتادة :« الحَقّ » هو الله - عزَّ وجلَّ -؛ أي : لا يدينون دين الله، ودينه الإسلام. قال أبو عبيدة : معناه : لا يطيعون الله طاعة أهل الحقّ.
قوله :﴿ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ بيانٌ للموصول قبله، والمرادُ : اليهودُ والنصارى ﴿ حتى يُعْطُواْ الجزية ﴾ وهي الخراجُ المضروب على رقابهم، و « الجِزْيةُ » :« فِعْلَة »، لبيان الهيئة، ك « الرِّكْبَة ». قال الواحديُّ :« الجزيةُ : ما يعطى المعاهد على عهده، وهي » فِعْلة « من جزى يجزي إذا قضى ما عليه ».
قوله :« عَن يَدٍ » حالٌ، أي : يُعْطُوها مقهورين أذِلاَّء، وكذلك :﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾.
قال الزمخشريُّ « قوله :» عن يدٍ « إمَّا أن يراد به عن يد المُعْطِي، أو يد الآخذ، فإن كان المراد به المعطي ففيه وجهان :
أحدهما : عن يد غير ممتنعة؛ لأنَّ مَنْ أبى وامتنع لم يعط عن يده، بخلافِ المطيع المنقاد.
وثانيهما : حتى يعطوها عن يد إلى يدٍ نقداً غير نسيئة، ولا مبعوثاً على يد أحدٍ، ولكن عن يد المُعطي إلى يد الآخذ.
وإن كان المرادُ به : يد الآخذ، ففيه وجهان :
الأول : حتى يعطوا الجزية عن يد قاهرة مستولية للمسلمين عليهم، كما تقولُ : اليد في هذا لفلان.
وثانيها : أنَّ المراد : عن إنعام عليهم؛ لأنَّ قبول الجزية منهم، وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم ».
قوله ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ أي : تؤخذ الجزية منهم على الصغار والذل والهوان، يأتي بها بنفسه ماشياً إلا راكباً، ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس، ويؤخذ بلحيته ويقال له أدِّ الجزية.
وقال الكلبيُّ :« إذا أعْطَى يصفعُ في قفاهُ ». وقيل : يكتب ويجرُّ إلى موضع الإعطاء.
وقيل : إعطاؤه إيَّاها هو الصِّغار؛ وقال الشافعيُّ « الصِّغارُ : جريان أحكام الإسلام عليهم ».