قيل : وقولُ من زعم أنَّ المضاهأة بالهمز مأخوذةٌ من : امرأة ضَهْيَاء، في لغاتها الثلاث، فقوله خطأ، لاختلاف المادتين، فإنَّ الهمزة في « امرأة ضَهْيَاء » زائدة في اللُّغاتِ الثلاث، وهي في « المضاهأة » أصلية.
فإن قيل : لِمَ لَمْ يُدَّعَ أنَّ همزة « ضهياء » وباؤها زائدة؟.
فالجوابُ : أنَّ « فَعْيَلاً » بفتح الياء يَثْبُتْ.
فإن قيل : فَلِمَ لم يُدَّعَ أنَّ وزنها « فَعْلل »، ك :« جَعْفَرٍ » ؟.
فالجوابُ : أنه قد ثبت زيادة الهمة في « ضَهْيَاء » بالمدِّ، فثبت في اللُّغة الأخرى، وهذه قاعدة تصريفية، والكلامُ على حذف مضاف تقديره : يُضَاهي قولهم قول الذين، فحذف المضاف وأقيم المضافُ إليه مقامه، فانقلب ضمير رفع بعد أن كان ضمير جرٍّ.
والجمهور على الوقف على « بأفواههم »، ويبتدئون ب « يُضَاهِئُونَ ».
وقيل : الباء تتعلَّق بالفعل بعدها، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف هذا المضاف. واستضعف أبو البقاءِ قراءة عاصم، وليس بجيِّدٍ لتواترها، وقال أحمدُ بنُ يحيى : لم يتابع أحد عاصماً على الهمز.
والمضاهاة : المشابهة، في قول أكثر أهل اللُّغة. وقال شمرُ :« المضاهاة : المتابعة، يقال : فلان يضاهي فلاناً، أي : يتابعه ».

فصل


قال مجاهدٌ :« » يضاهئون « قول المشركين من قبلن كانوا يقولون : اللاَّت والعُزَّى بنات الله ».
وقال قتادة والسديُّ :« ضاهت النصارى قول اليهود من قبل، فقالوا : المسيحُ ابنُ الله، كقول اليهود من قبل عزير ابنُ الله؛ لأنهم أقدم منهم » وقال الحسنُ :« شبَّه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة » كما قال في مشركي العرب :﴿ كَذَلِكَ قَالَ الذين مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ البقرة : ١١٨ ].
وقال القتيبي :« يريد من كان في عصر النبي ﷺ من اليهود والنصارى، يقولون ما قال أسلافهم ».
قوله :« قَاتَلَهُمُ الله » قال ابنُ عبَّاسٍ : لعنهم الله. وقال ابن جريج : قتلهم اللهُ.
وقيل : هذا بمعنى التَّعجب من شناعةِ قولهم، كما يقال : ركبوا شنيعاً، قاتلهم اللهُ ما أعجب فعلهم، وهذا التعجب إنَّما هو راجع إلى الخلقِ، والله لا يتعجَّبُ من شيء، ولكن هذا الخطابُ على عادة العرب في مخاطبتهم، والله عجب منهم في تركهم الحق وإصرارهم على الباطل.
« أنى يُؤْفَكُونَ » أي : كيف يصرفون عن الحق بعد قيام الأدلة عليه.
قوله ﴿ اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله ﴾.
الأحْبَارُ : العلماءُ. قال أبو عبيد :« الأحبارُ : الفقهاءُ قد اختلفوا في واحده، فقال بعضهم :» حَبْرٌ «، وقال بعضهم » حِبْرٌ «.


الصفحة التالية
Icon