قال أبو حيان : قوله :« لخَرجْنَا » سدَّ مسدَّ جواب القسمِ، و « لو » جميعاً « ؛ ليس بجيد، بل للنحويين في هذا مذهبان :
أحدهما : أنَّ » لَخَرجْنَا « جوابُ القسم وجوابُ » لَوْ « محذوفٌ، على قاعدة اجتماع القسم والشَّرط، إذا تقدَّم القسم على الشَّرط، وهذا اختيارُ ابن عصفورٍ. والآخر : أنَّ » لخَرجْنَا « جوابُ » لَوْ « و » لَوْ « وجوابها جواب القسم، وهذا اختيارُ ابن مالكٍ. أمَّا أنَّ » لخَرَجْنَا « سد مسدَّهما فلا أعلمُ أحداً ذهب إلى ذلك، ويحتمل أن يتأول كلامه على أنَّه لمَّا حذف جواب » لو « ودلَّ عليه جواب القسم جعل كأنَّهُ سدَّ مسدَّ جواب القسمِ، وجواب » لو «.
وقرأ الأعمشُ، وزيدُ بنُ عليٍّ » لوُ استطَعْنَا « بضم الواو، كأنَّهما فَرَّا من الكسرة على الواو وإن كان الأصل، وشبَّها واو » لَوْ « بواو الضَّمير، كما شبَّهوا واو الضَّمير بواو » لَوْ « حيث كسرُوها، نحو :﴿ اشتروا الضلالة ﴾ [ البقرة : ١٦ ]، لالتقاء الساكنين. وقرأ الحسنُ :﴿ اشتروا الضلالة ﴾، و ﴿ لَوِ استطعنا ﴾ بفتح الواو تخفيفاً.
ولو قلت :» وأنا قائمٌ « حالاً من ضمير » ليفعلنَّ « لم يجز، وكذا عكسه، نحو : حلفَ زيدٌ لأفعلنَّ يقوم، تريد : قائماً، لم يجز.
وأمَّا قوله :» وجاء به على لفظ الغائب؛ لأنه مُخْبرٌ عنهم « فمغالطةٌ، ليس مخبراً عنهم بقوله :» لَوِ استطَعْنَا لخَرجْنَا «، بل هو حاكٍ لفظ قولهم. ثمَّ قال : ألا ترى لو قيل : لو استطاعوا لخرجوا، لكان سديداً... إلى آخره. كلامٌ صحيحٌ، لكنه - تعالى - لم يقل ذلك إخباراً عنهم، بل حكايةٌ، والحالُ من جملة كلامهم المحكيّ، فلا يجوزُ أن يخالف بين ذي الحال وحاله، لاشتراكهما في العامل، لو قلت : قال زيدٌ : خرجت يضربُ خالداً، تريد : اضرب خالداً، لم يجز. ولو قلت : قالت هندٌ : خرج زيد أضرب خالداً، تريد : خرج زيد ضارابً خالداً، لم يَجُزْ، انتهى.
الرابعُ : أنَّها جملةٌ استئنافيةٌ، أخبر اللهُ عنهم بذلك.
فصل
معنى الآية : أنَّه لو كانت المنافع قريبة، والسَّفر قريباً لاتبعوك طمعاً منهم في الفوزِ بتلك المنافع، ولكن طال السفرُ، وكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة، بسبب استعظامهم غزو الرُّوم، فلهذا تخلَّفُوا، ثمَّ أخبر تعالى أنه إذا رجع من الجهادِ يجدهم :﴿ سَيَحْلِفُونَ بالله لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ﴾ إمَّا عند ما يعاتبهم بسبب التخلف، وإمَّا ابتداءً على طريقة إقامة العذر في التخلف، ثم بيَّن أنَّهم يهلكون أنفسهم بسبب الكذب والنِّفاق، وهذا يَدُلُّ على أن الأيمان الكاذبة توجب الهلاك، ولهذا قال عليه الصَّلاة والسَّلام » اليمينُ الغموسُ تدعُ الدِّيارَ بلاقعَ « ثم قال :﴿ والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ في قولهم ما كنا نستطيع الخروج فإنهم كانوا مستطيعين الخروج، فكانوا كاذبين في أيمانهم.