قال ابن عطيَّة : هو عِنْدِي اسمٌ لما يُمَدُّ، ك « الذَّبْح »، و « القِتْل ».
وقُرىء أيضاً « عِدَّة » بكسر العين، وتاء التأنيث، والمرادُ : عدة من الزَّاد والسلاح، مشتقاً من « العَدَدِ ».
قوله :﴿ ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم ﴾. الاستدراكُ هنا يحتاجُ إلى تأمُّلٍ، فلذلك قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف موقعُ حرفِ الاستدراك؟ قلتُ : لمَّا كان قوله :﴿ وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج ﴾ معطياً معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو. قيل :﴿ ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم ﴾ كأنه قيل : ما خرجوا، ولكن تَثَبَّطُوا عن الخروج لكراهةِ انبعاثهم، :« ما أحْسَنَ زَيْدٌ إليَّ ولكن أساءَ إليَّ ». انتهى. يعني أنَّ ظاهرَ الآية يقتضي أنَّ ما بعد « لكن » موافقٌ لما قبلها، وقد تقرَّر فيها أنَّها لا تقع إلاَّ بين ضدين، أو نقيضين، أو خلافين، على خلاف في هذا الأخير، فلذلك احتاج إلى الجواب المذكور.
قال أبُو حيان « وليست الآيةُ نظير هذا المثالِ - يعني : ما أحْسَنَ زيدٌ إليَّ، ولكن أساء -، لأنَّ المثال واقعٌ فيه » لكن « بين ضِدَّيْن، والآيةُ واقعٌ فيها » لكن « بين متفقين من جهة المعنى ».
قال شهابُ الدِّين « مُرادُهم بالنقيضين : النفيُ والإثبات لفظاً، وإن كانا يتلاقيان في المعنى ولا يُعَدُّ ذلك اتفاقاً ».
والانبعاثُ : الانطلاقُ، يقال : بعثتُ البعير فانبعث، وبعثته لكذا فانبعث، أي : نفذ فيه والتَّثْبِيطُ : التَّعْويق، يقالُ : ثَبَّطْتُ زيداً، أي : عُقْتُه عمَّا يريده، من قولهم : ناقة ثَبِطَة أي : بطيئة السير، والمراد بقوله :« اقْعُدُوا » : التَّخْلية، وهو كنايةٌ عن تباطئهم، وأنَّهم تشبهوا بالنساء، والصبيان، والزَّمْنَى، وذوي الأعذار، وليس المرادُ قعوداً؛ كقوله :[ البسيط ]
٢٧٨٦- دَعِ المكَارِمَ لا تَقْصِدْ لبُغْيتهَا | واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي |
فإن قيل : خروجهم مع الرسول ﷺ إمَّا أن يقال إنَّه كان مفسدة، وإمَّا أن يقال إنه مصلحة، فإن كان مفسدة، فلمَ عاتبَ الرسول في إذنه لهم بالقعود؟ وإن كان مصلحة فَلِمَ قال تعالى : إنه كره انبعاثهم وخروجهم؟
والجوابُ : أنَّ خروجهم مع الرَّسولِ ما كان مصلحة؛ لأنَّه تعالى صرَّح بعد هذه الآية بذكر المفاسد بقوله :﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾، بقي أن يقال : فلمَّا كان الأصلح أن لا يخرجوا، فلِمَ عاتب الرسول في الإذن؟ فنقولُ : قد حكينا عن أبي مسلم أنه قال : ليس في قوله :﴿ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٤٣ ] أنه ﷺ، قد أذن لهم بالقُعُود، بل يحتمل أن يقال : إنهم استأذنوه في الخروج معه، فأذن لهم، وعلى هذا يسقط السؤال.
قال أبو مسلم « ويدلُّ على صحَّة ما قلنا أنَّ هذه الآية دلَّت على أنَّ خُروجَهُمْ معه كان مفسدةً؛ فوجب حمل ذلك العتاب على أنه ﷺ أذن لهم في الخروج معه » ويؤكد ذلك قوله تعالى :